انتصار الرئيس في معركته الاخيرة

ناهض حتّر
كسب الرئيس صدام حسين، معركته الاخيرة، بصورة حاسمة. لقد اكتملت دورة حياته، بالمواجهة الشجاعة مع جلاديه الحاقدين، في صورة شهيد العراق، وقديس العروبة.

لا يعني ذلك ان مراجعة تجربة الشهيد – بمعناها وظلالها، وانجازاتها واخطائها، وامجادها وخطاياها – لم تعد ممكنة. بالعكس، اصبح نقد هذه التجربة، الآن فقط، ممكناً برؤية موضوعية تاريخية، تفيئها لحظة الختام التراجيدية في حياة الرجل الذي اسس الدولة العراقية الثالثة في العصر الحديث.

شيء واحد اصبح خارج السجال حتماً، هو الحضور الرمزي الكثيف للرئيس الشهيد على مساحة متصاعدة من الوجدان الوطني العراقي، وشبه كاملة من الوجدان القومي العربي الشعبي. ان اي تجاهل لذلك الحضور الاستثنائي، معناه القطيعة مع احدى ضرورات وحدة العراق وهويته العربية واستقلاله ونهضته. انه، اي ذلك التجاهل، يحيل، فورا، الى حفلة الردح المذهبي المنحطة التي انغمس فيها ممثلو المليشيات الطائفية – الايرانو امريكية – حول مشنقة الشهيد.

ان الهتاف المذهبي الغرائزي، لحظة اعدام الرئيس: «مقتدى، مقتدى، مقتدى» له صدى: «ايران، ايران، ايران» وكذلك: «بوش، بوش، بوش» وبالطبع: «اسرائيل، اسرائيل، اسرائيل» وربما كان هذا الهتاف – وأصداؤه – هو الذي سبب الصدمة الانفعالية البالغة التي مزقت قلوب الجماهير الوطنية العراقية والعربية.

تقول المعلومات ان رجل الاحتلال الايرانو امريكي في العراق، عبدالعزيز الحكيم، هو الذي ضغط باتجاه التنفيذ المستعجل لاعدام الرئيس صدام، في اول ايام عيد الاضحى، ساعيا الى تحقيق عدة اهداف (1) اعادة توحيد صفوف المليشيات الطائفية الشيعية الحاكمة في العراق (2) تسعير الاقتتال المذهبي (3) تصعيد القطيعة العربية – العراقية. وتحقيق هذه الاهداف ينسجم تماما مع اتفاقه مع بوش الصغير، لتجاوز توصيات لجنة بيكر – هاملتون. ومن البديهي ان هذا الاتجاه يحظى بالدعم المطلق من المليشيات الاتنية الحاكمة في كردستان العراق.

فهل كان مشهد السعار المذهبي في غرفة الاعدام مصمما؟ لقد كان استغلال سذاجة الصدريين وتخلفهم السياسي وسوقية عناصرهم، كافيا.

ولكن المردود، جاء عكسيا. كان الرئيس – بغض النظر عن كل النقاش الممكن حول اخطائه – يمثل، في غرفة المشنقة، المشروع العراقي والدولة العراقية ودورها العربي والاقليمي، في مواجهة عصابات تمثل الغرائزية المذهبية والانحطاط السياسي – الثقافي، وتضع نفسها – بوعي او بغير وعي – في خدمة اعداء العراق. ثم جاءت التصريحات الحاقدة – المتشابهة حتى في الألفاظ – للمسؤولين الايرانيين والاسرائيليين والامريكيين، ابتهاجاً باعدام الرئيس الشهيد، لكي تجعل الصورة واضحة تماماً.
قد يكون صحيحاً، الى هذا الحد أو ذاك، كل النقد الموجه للمشروع الذي مثله الرئيس صدام، وللدولة التي بناها، وبناها وادوارها وحروبها وكيفيات ادارتها، ولكننا نتحدث، هنا، عن مشروع عراقي ودولة ودور وفعالية، لم ينشأ، بعدها في العراق، مشروع أو دولة ودور أو فعالية، بل مجرد زواج متعة بين الغزاة الامريكيين الفاشلين، وبين عصابات من المجرمين الذين تنظمهم وتقودهم الاستخبارات الايرانية، الطامحة الى الاستيلاء على الأقسام الجنوبية والوسطى من العراق.
وهكذا، انكشف في مشهد اعدام الرئيس، المأزق العراقي كاملاً. سقطت شرعية ما يسمى «العملية السياسية» وتعرّى المشاركون فيها، وتعاظمت عزلتها، لقد كان صدام حسين، اسيراً أعزل في غرفة اعدام محتشدة بالأوباش، أي انه كان قوياً، واثقاً، يمثل شرعية عراقية – حتى لو كان محل نقد عنيف – وكبيراً كرجل دولة أمام جلاديه المليشيويين الصغار، اعني ان الطاقة النفسية لدى الرئيس الشهيد، في لحظة الاعدام – لم تنبع، فقط، من رجولته، ولكن، بالأساس، من تفوقه السياسي على عصابات بلا مشروع تدعي تمثيل دولة اختطفتها تحت حماية المحتلين.

ولا تمثل هذه العصابات، المكوِّن الشيعي في نسيج المجتمع العراقي، ولا تمثل مشروعاً شيعياً في العراق. كلا، فمشروع كذاك يطرح فوراً مقاومة المحتلين وتوحيد البلاد واكتشاف الذات في مواجهة التمدد الفارسي، لا يوجد مشروع كهذا في العراق، أي مشروع دولة شيعية عراقية. وهو، على كل حال، ليس ممكناً لانه لا توجد طائفة شيعية عراقية بالمعنى السياسي – لنقل: بالمعنى اللبناني – بل مجموعات مذهبية هي مجرد أدوات لقوى خارجية، تحاول تمزيق المجتمع العراقي، وفرض ارادتها على الجماهير الشيعية، وتحويلها – بالقوة – الى طائفة، على نحو ما تفعله «القاعدة» في الأوساط السنية.

ولكن، في الحالتين، وما يزال العراق، على الرغم من انهار الدم، يستعصي على التطبيق السياسي. المجتمع العراقي يقاوم المليشيات المذهبية بكل قواه، ومن الأشكال الدرامية لهذه المقاومة البطولية – مثلاً – ان عشيرة الخزرجي الشيعية اقامت في بلدة «الدجيل» نفسها – وهي التي باسمها تم اعدام الرئيس – مجلس عزاء بالشهيد البطل الرئيس صدام حسين.

* * *
كانت وصية الرئيس الشهيد الاخيرة، تركز على المقاومة والوحدة. وكان هو، في ذروة تصديه للجلادين المذهبيين الصغار، محتشداً بالايمان بنفسه بصفته رئيساً للعراق… كل العراق. ولذلك فان أي ردّ فعل مذهبي على جريمة غرفة الاعدام المذهبية، هو انتقاص من رمزية الرئيس الشهيد، ومن انتصاره، وهدية للاحتلال الايرانو امريكي. ولسوف نكتشف، عما قريب، ان رسالة الاستفزاز المذهبية السوقية التي صممها بوش – الحكيم، سوف ترتد عليهما فالاهانة الموجهة الى العرب، باعدام الرئيس صدام في حفلة روح مذهبية، تستشعرها، كذلك، الأوساط الأكثر تنوراً من الشيعة العرب العراقيين. ولحظة استشهاد الرئيس يمكن ان تغدو ايضاً لحظة اتحاد ونهوض ومقاومة.

Posted in Uncategorized.