من “الكرامة” إلى “مارون الراس”

ناهض حتّر
المواجهات البطولية التي يخوضها مقاتلو حزب الله ضد الغزاة الاسرائيليين في جنوب لبنان، تذكرنا بمعركة الكرامة .1968

أستاذنا فهد الفانك هو أول من استحضر هذا الرابط بين «مارون الراس» و«الكرامة» ففي الحالتين، جاء العدو الاسرائيلي المتغطرس غازياً واثقاً، فارتدّ على عقبيه، تاركاً وراءه أشلاء دباباته وجنوده في ميدان الأسود.

الأردنيون الذين عاشوا ايام «الكرامة» وحرب الاستنزاف التي خاضها الجيش الاردني ضد العدو الاسرائيلي بين 67و،70 يستحضرون، الآن، ذكريات المجد هذه، ولا تدهشهم قدرة مقاتلي حزب الله البواسل على هزيمة الغزاة في كل نقاط المجابهة على الحدود اللبنانية – الفلسطينية، من «مارون الراس» الى «بنت جبيل» الى «العديسة- كفر كلا» الى «عيتا الشعب».

لا نفخر بالماضي.. ولكننا نستشعر – مجدداً – القوة…

فهذه النوعية الفدائية، المصممة على القتال بالاسلحة الفردية والمدافع المضادة للدبابات وفق خطط عسكرية ميدانية تجمع بين الاحتراف العسكري وحرب العصابات، والتي يتقنها، ببسالة، مقاتلو حزب الله، هي نفسها نوعّية القتال التي طوّرها الجيش الاردني بعد هزيمة ،1967 لتلافي آثار التفوق الكاسح الذي يملكه العدوّ، الاسرائيلي في الاسلحة والطيران والتقنية والقادر – بالتالي- على حسم المعارك التقليدية، وكذلك على سحق مقاتلي العصابات غير المنظمين في شبكة عسكرية محترفة.

والحل الاستراتيجي لهذه المعضلة، قدمه- بعد هزيمة 67 – شهيدنا الكبير وصفي التل. وهو العسكري المحترف ومقاتل حرب العصابات، المجاهد في فلسطين العام ،1948 وتلميد المفكر العسكري الاهم في القرن العشرين، ليدل هارت، حتى حسب نظرية «استراتيجية التعرض غير المباشر»

كان همّ وصفي التل، الردّ على الهزيمة والخلاص من نتائجها الكارثية باسترداد الأرض، عبر تطوير نوعية من القتال تجمع بين الاحتراف والانضباط العسكريين الصارمين وبين فنون حرب العصابات، بما في ذلك اساليب الاختفاء، وتلافي المواقع الثابتة، واستدراج العدوّ، والكمائن، والمجموعات الصغيرة السريعة الحركة، المدربة على اصطياد الدبابات والآليات.. الخ والأهم من ذلك كله، التجذر في المجتمع المحلي، واقامة أفضل العلاقات مع البيئة الاجتماعية المحيطة بالمقاتلين، والانضباط، والالتزام الاخلاقي الانساني الصارم، والانغراس في الحياة اليومية والجهود السلمية والانتاجية..الخ

وهذا كلّه – وغيره في الاتجاه نفسه- مما يطبقه حزب اللّه، في بنيته التنظيمية وعقيدته القتالية واساليب تعامله مع المجتمع المحلي، ولقد عشت عاما كاملاً في لبنان، قريباً من اوساط حزب الله، لم أشاهد، خلالها، مسلحاً من الحزب أوحزبياً يتعالى على الناس بسلاحه او يسيء اليهم، او يفرض عليهم، افكاره او يرغمهم على سلوكيات ما، بل يعاون ويحاور ولا يستقوي، ولا يفرض «خوّات» ولا يخوِّن ولا يكفِّر.

انت – في لبنان- لا ترى حزب الله ولا مسلحيه. فهو يتماهى مع مجتمعه مئة بالمئة، ويقوم حضوره السلمي على شبكة من المؤسسات الاجتماعية والطبية والثقافية والاعلاميّة، في تعامل مفتوح -لا تعصب فيه- مع كل الاطراف والأشخاص. وهو ما يجعل احتكار الحزب للعمل المسلح ميزة قتالية لا ظاهرة دكتاتورية.

وأشهد أنني اصطدمت في حوار ساخن جداً – مع قيادي في حزب الله، فلم يغضب ولم يستقو ولم يتآمر، بل قارعني الحجة بالحجة. وحين عقّبتُ على اعتقال الرئيس صدام حسين، بمقالة وجدانية نشرتها «النهار»، كانت ردة فعل الاصدقاء الاعلاميين المقربين من حزب الله، المحبة والرغبة في الحوار وليس القطيعة او التعريض او الشتائم، مثلما يفعل آخرون.

ها نحن -على الرغم من السنوات العجاف- نستذكر «الكرامة» في «مارون الراس».. ونستشعر القوة والبأس.. فليس لدى حزب الله – الذي يهزم اسرائيل الآن- غير عشرة بالمئة مما لدى جيشنا من رجال وعتاد.

* يستطيع القارئ المهتم بالفكر الاستراتيجي للشهيد وصفي التل، العودة الى كتاب: «وصفي التل في مجابهة الغزو الصهيوني» من تحرير كاتب هذه السطور.

Posted in Uncategorized.