ناهض حتّر
المعلومات حول مفاوضات -في طريقها الى النجاح؟- لإ
دماج فصائل رئىسية من المقاومة العراقية في «العملية السياسية» الجارية في العراق، مشوشة للغاية، بحيث ان المراقب لا يستطيع – مهما كانت سعة اتصالاته ودرجة اطلاعه- ان يجزم بنفي تلك المعلومات او تأكيدها. فالتشويش مقصود من قبل الاطراف التي تستطلع – فيما يبدو- الامكانات لدى بعضها بعضاً، ولا تستبعد «اغتنام» الفرصة!
اذا كان القرار الاستراتيجي الامريكي هو باتجاه التوافق مع حكومة عراقية تمثل كل القوى الفاعلة في البلد، على جدولة مبكرة للانسحاب في غضون العام الحالي، فان الفصائل الاسلامية المعتدلة في المقاومة العراقية، سوف تكون مضطرة، واقعياً، للمشاركة السياسية، اذ انها- في التحليل الاخير- لم تستطع ان تتجاوز تمثيل «العرب السنة»، وليس لديها، بالتالي، برنامج خاص بها لعملية سياسية مضادة على المستوى الوطني- وهي الملزوزة الى التفاهم مع الاطراف الطائفية والاثنية الأخرى. لكنها، بالطبع، سوف تخسر مكانتها وصدقيتها اذا قبلت بالمشاركة السياسيّة من دون تنفيذ النقطة الوحيدة على جدول اعمالها، وهي جلاء الاحتلال، بل انها- في هذه الحالة- سوف تتخلى عن دورها وقوتها الاجتماعية – السياسية ورصيدها الوطني، لمصلحة مجاهدي «القاعدة». وربما يكون الظهور المفاجئ للزرقاوي، مبادرة مبكرة لاحتكار تمثيل المقاومة العراقية «والعرب السنة» لدى «استسلام» الفصائل الاخرى. وهو ما يجعلنا على يقين من أن هكذا استسلام لن يحصل.
لكن الامريكيين سوف يضغطون الى أبعد مدى ممكن للتفاهم مع «الجماعات المسلحة» المعتدلة، لتحقيق صيغة سياسية تؤمن، في الان نفسه، خروجاً رابحاً نسبياً من المستنقع العراقي، وحريّة في العمل العسكري والسياسي ضد ايران التي تريد الجماعات المقاومة السنية، بالطبع، كسر نفوذها وحضورها في العراق.
لدى واشنطن – مثلما أحسب- قناعة كاملة بأن القسم الاساسي من قوى الاسلام السياسي الشيعي، هو في صف ايران التي تستنزف الامريكيين في العراق فعلاً من خلال تمويل ودعم النشاطات السياسية والدعوية والمليشيات والمرشحين للقوى السياسية الشيعية، وتعمل، في الوقت نفسه، على تقويض الاجهزة الحكومية العراقية من الداخل، واشاعة الفوضى الامنية، في عملية معقدة، شلت الامريكيين الذين كانوا يتوهمون بأن الاسلام السياسي الشيعي سيكون هو القاعدة الاجتماعية – السياسية الراسخة لبناء «العراق الجديد» الامريكي. وقد ثبت ان هذه القاعدة هي «ايرانية» بامتياز.
لكن كل هذه تظل مظاهر للاستعصاء العراقي الرئيسي، المتمثل في أن بنية العراق الوطنية هي – مثلما يقول الصديق امير الركابي- أكبر من قدرة الخصمين، الامريكي والايراني، على ابتلاعها، ولذلك، فاننا نشاهد عبر ثلاث سنوات من الاحتلال والتدخل الاجنبي في العراق، الفشل الذريع لجميع الاطراف الدولية والاقليمية، في تحقيق مكاسب دائمة أو موثوقة في البلد. وهو ما يجعل الاحتمالات – جميعها- قائمة وممكنة ومتبدلة ومتداخلة. وهو وضع سوف يستمر الى ان يتم انهاك جميع الاطراف الدولية والاقليمية. والمنطقة بأسرها.. وخصوصاً: العراق.
لا مناص من آلام الموت: موت المشروع الامريكي والكمبرادوري، وموت بدائل الماضي من تسييس الدين الى الطائفية والاثنية، وموت المشاريع الامبراطورية الدولية والاقليمية.
ولا مناص من آلام المخاض لولادة الجديد الآتي.