ناهض حتّر
خطة ادارة بوش – تشيني على الارض – هي تقسيم العراق، وهذه هي المؤشرات:
1) قرار البنتاغون باعادة نشر القوات الامريكية من المحافظات – خصوصا الأنبار – الى بغداد. وذلك في اطار خطة امنية جديدة تستهدف تسخير القسم الاساسي من القوة الضاربة الامريكية لتأمين العاصمة العراقية من نشاطات المقاومة العراقية او من نشاطات «القاعدة» والهجمات الطائفية السنية من جهة، وكبح جماح – وربما تحجيم ونزع اسلحة التيار الصدري المتمركز في حي الصدر البغدادي.
وهو ما سيحرر حكومة نوري المالكي من تأثيرات حلفائها هؤلاء، ويمنحها القدرة على بسط نفوذها السياسي في العاصمة.
2) الدعم – المؤقت – لحكومة المالكي، بما في ذلك زيادة صلاحياته في تحريك القوات ميدانيا – يهدف الى اعطائه فرصة اعادة تركيب حكومته واداراته المركزية في حدود بغداد المؤمّل ان تبقى موحدة وعاصمة لفدرالية العراق، ذات وضع خاص مثل «واشنطن-العاصمة».
(3) اخلاء المحافظات – جزئيا فكلياً – من القوات الامريكية والاجنبية الحليفة، سوف يمركزها في مهمة محددة ومنطقة جغرافية واحدة، ولتنفيذ مهمات محددة .والمأمول هو تخفيض خسائرها الى الحد الادنى، ووقف تشتتها وشللها.
4) الاخلاء يتضمن الاعتراف الواقعي بسيطرة الجماعات المسلحة السنية على المحافظات الغربية، والجماعات المسلحة الشيعية على الوسط والجنوب، علما بأن المليشيات الكردية تسيطر على منطقة كردستان امنيا وسياسيا منذ وقت طويل.
5) المفاوضات المقترحة مع القوى الاقليمية، سوف تركز على بلورة وتعضيد الاقاليم الثلاثة، وتنظيم قواها المسلحة المحلية. وبينما تقوم ايران بذلك – فعليا في «شيعستان» اعلن مصدر سعودي غير رسمي بأن السعودية سوف تقدم كل اشكال الدعم ل¯ «سنستان».
6) هذه الترتيبات الواقعية لانشاء ثلاثة اقاليم فدرالية زائد عاصمة موحدة، سوف يحافظ على الشكل الخارجي المقبول لوحدة العراق الشكلية، ويتيح للقوى الطائفية والاثنية انشاء دولها الخاصة داخل صيغة فدرالية فضفاضة لكنها ترتبط معا بمركز هو العاصمة.
(7) على اساس هذا الواقع الجديد، يمكن ادراج المفاوضات الامريكية مع ايران وسورية والسعودية والاردن ومصر وتركيا، لضمان حل المشكلات الحدودية بين الاقاليم، والامن، وتوزيع العائدات النفطية، والتبادل الديمغرافي .. الخ.
(8) انسحاب القوات الحليفة من «شيعستان» سوف تعتبره ايران انتصارا كبيرا يحقق اطماعها الاقليمية في العراق، ويشطب منافسة الدولة المركزية العراقية، ويمكنها من التفاوض على مبادلة ضبط الامن وترويض «شيعستان» العراقية بطيّ مشكلة الملف النووي الايراني.
(9) سوف يجد «العرب السنة» في امكانية اقامة «سنستان» مدعومة من السعودية والدول العربية الاخرى، منجاة من الحرب الاهلية والاحتلال. وسوف يتكفل الدعم الاقليمي العربي في تطهير سنستان من «القاعدة» وتنظيم دولة محلية مسؤولة.
(10) في وقت لاحق، وخصوصا في حالة نجاح الخطة، يمكن البدء بسحب القوات الامريكية من بغداد تدريجيا، واعلان «الانتصار» في حرب العراق، والدخول الى مرحلة الانتخابات الرئاسيّة في الولايات المتحدة على أساس تجاوز المأزق العراقي.
11) اقليميا، سوف يكسر التقسيم الواقعي، امتداد الهلال الشيعي بالقاطع الجغرافي – الديمغرافي السني المستقل، ويسمح بانفصال كردستان من دون اعلانها دولة، وهو ما سيحظى – واقعيا – برضى طهران والرياض وانقرة. وسوف يكون هناك اعتراض سوري، بالطبع، لان دمشق سوف تخرج من اللعبة، لكن يمكن ارضاؤها بالطبع، في لبنان، وربما في الجولان، وبالنسبة للاردن، فيمكنه الاستمرار في تعزيز صلاته مع غرب العراق على عدة مستويات تكاملية، لكن جائزته الكبرى، ستكون في تحريك العملية السلمية على المسار الفلسطيني، وتلافي مخاطر الانهيار السياسي والديمغرافي والاقتصادي في الضفة الغربية.
***
من الملاحظ ان الخطة مصممة لارضاء كل الاطراف (1) تأمين مخرج ملائم لادارة بوش – تشيني من المأزق العراقي وتحسين وضع الجمهوريين في الانتخابات الرئاسية الامريكية المقبلة (2) الاستجابة للمطالب الديمقراطية بالانسحاب التدريجي الآمن من العراق (3) الاستجابة لمصالح القوى الاقليمية (4) الترتيب القانوني والسياسي والامني لطموحات القوى الطائفية والاثنية العراقية.
***
لكن، هذه الخطة سوف تفشل ايضا:
اولا.. «فالوطنية العراقية» متجذرة في قلب المجتمع العراقي الحي المرتبط، مصلحيا وتاريخيا ووجدانيا، بالدولة الوطنية العراقية. ومأزق «الوطنية العراقية» الان انها غير متجسدة في حركة. ولكن هذا الواقع البائس ليس مخلدا، ومن الممكن ان يتبدل بين عشية وضحاها، بانتفاضة شعبية مجتمعية ضد الاحتلال والقوى الطائفية معا.
ثانيا، ومنظمات المقاومة العراقية-بالرغم من طابعها السني- فهي تختزن، في وجدانها وحراكها، طاقة وطنية عراقية. لا تعبر عن ايمانها فقط، وانما عن مصالح المحافظات الغربية التي تخلو من الموارد، ويتهددها مصير دويلة فقيرة هزيلة تابعة للممولين.
ثالثا، والحركة الشيعية الشعبية الاساسية المتمثلة في «التيار الصدري» تختزن هي الاخرى -برغم طائفيتها- وجدانا عراقيا، وهي تعبّر كذلك- عن مصالح الجماهير الشيعية في توحيد العراق، ولو على اساس تحجيم واستيعاب السنّة.
رابعا، لن تستطيع القوات الامريكية-المنهكة والمشلولة- ضبط الامن في بغداد، طالما انها -عسكريا- تريد تجاوز الخسائر، وكذلك تخفيض عديدها من خلال «تجربة» النقل الجزئي أو الكامل للملف الأمني الى الحكومة العراقية وجيشها وشرطتها المخترقة مليشياوياً… وطالما انها تعتمد – سياسياً – على نظام مركب طائفياً.. ولا يمكن اصلاحه من خلال تحسين الحصص داخله. فالنظام المركب طائفياً هو إطار للصراع الطائفي في السياسات والادارات والشارع.
* * *
يظل أملنا معلقاً – وممكناً – بانتفاضة وطنية مجتمعية عراقية تطيح بالاحتلال «ونظامه» وقواه الطائفية… وقد يبدأ ذلك من خلال ديلكتيك معقد، أي في عملية تفكيك «النظام» من داخله، ومواجهة خطة «القبضة الحديدية» الامريكية – الحكومية على بغداد، بتحالف شيعي – سني مُضاد.
وفي هذا السياق، جاء رد سريع – لا نستطيع التأكد من رسوخه بعد، ولكن دلالاته قوية – يتمثل في اعلان رئيس الكتلة الصدرية في البرلمان العراقي، فالح حسن شنشل، ان «تحالفاً سياسياً» باسم «الجبهة الوطنية» يمكن ان يتشكل، خلال الاسبوع القادم، «بين التيار الصدري والسنّة والمسيحيين وعدد من المستقلين» وهدفه المطالبة بانسحاب قوات الاحتلال من العراق.
ويأتي هذا الاعلان في إطار تصعيد سياسي للتيار الصدري الذي جمد مشاركته في البرلمان والحكومة، احتجاجاً على لقاء بوش – المالكي، وموافقة الحكومة العراقية على التمديد ل¯ «قوات التحالف» عاماً آخر.
أيكون ذلك تحت سقف المناورة والمساومة مع المالكي، أم انه تعبير عن اتجاه وحدوي انقاذي جديد ينتصر في التيار الصدري، ربما تحت تأثير العلاقة الماضية مع حزب الله اللبناني!.