ناهض حتّر
اقتراح الملك على مجموعة “الليبراليين الجدد”، تشكيل حزب سياسي، يجيء في وقته فالمرحلة المقبلة لا تحتمل ان يستمر الملك في تقديم الدعم لهذه المجموعة – من رصيده – وعلى حساب التيارات الاخرى. فالملك للجميع وبمسافات متساوية، وقد آن لليبراليين الاردنيين ان يصلوا الى مرحلة الفطام السياسي، ويخوضوا في الحياة والصراعات السياسية والنيابية كحزب علني، لا كشبكة نفوذ ومصالح سرية، تعتمد على قوة الدولة، والوسائل القسرية.
يتطلب تشكيل حزب سياسي ليبرالي، توضيح واعلان اسس منهجية كالتالي:
اولا: عدم الفصل بين الليبرالية الاقتصادية الاجتماعية وبين الليبرالية السياسية والفكرية، فالحزب الليبرالي ينبغي له ان يكون القوة المقاتلة دفاعا عن الحريات والاساليب الديمقراطية في اتخاذ القرار الوطني، بل ينبغي للحزب الليبرالي ان يكون الاكثر حساسية في نقد الاساليب القسرية والادارية.
ثانيا: واذا كان من حق الحزب الليبرالي ان يسعى الى تطوير حرية السوق، فالمطلوب منه الا يتناقض مع نفسه، ويحول حرية السوق الى عقيدة رسمية للدولة، فهذه توليتارية وليست ليبرالية!
ثالثا: لا تستطيع الليبرالية ان تتجذر في بلادنا، من دون الارتباط مع الاحتياجات الوطنية والثقافة الوطنية، وهذا الارتباط ليس له طابع واحد، فربما كان ارتباطا نقديا ولكنه يسعى، ساعيا الى تطوير التقاليد الوطنية من داخلها، واما القطيعة مع هذه التقاليد، بل والسعي الى تفكيكها قسريا، فسيؤدي في النهاية الى تصلبها وتخلفها تحت ضغوط الدفاع ضد الالغاء.
نحن نقترح، ايضا قيام حزب علني لاتجاه ليبرالي متماسك يدافع عن الحرية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والفكرية معا، في اطار منهجية واضحة متجذرة – ولو نقديا – في التقاليد الوطنية، فهل هذا ممكن؟!.
انه سؤال مشروع طالما اننا نواجه في الواقع ليبرالية انتقائية تميل الى الوسائل القسرية، وهنا نلاحظ ما يلي:
1- ان تحرير قوة العمل، بما في ذلك النسائية، من القيود الاجتماعية والثقافية التقليدية، لن يكون ذا جدوى اقتصادية واجتماعية وطنية الا في اطار مشروع تنموي وطني. وبغير ذلك، فاننا بصدد انشاء قوة عمل احتياطية ورخيصة وغير محمية قانونيا او اجتماعيا لمصلحة رجال الاعمال.
2- ان اقصاء الدولة عن العملية الاقتصادية يشكل، في النهاية، تفكيكا نهائيا لحلقة التنمية الوطنية، بل وللدورة الاقتصادية المحلية نفسها، فبغياب الدولة هنا يغيب الوسيط بين الرأسمال والمجتمع، وهو ما يعني:
أ- استحالة حشد الرأسمال الكافي للقيام بمشاريع تنموية اساسية تتطلب استثمارات ضخمة ولها مردود آجل.
ب- اضعاف القوة الشرائية المحلية، وتاليا اضعاف السوق المحلية وصولا الى الركود الهيكلي فاعادة توزيع الثروة بوساطة الدولة هي التي تجدد وتضاعف القوة الشرائية والطلب الاجمالي.
3- ان البرنامج الليبرالي الاقتصادي لا يقترح افقا للخلاص من المديونية والحاجة المستمرة المتفاقمة الى الاقتراض، وبالتالي فهو لا يقترح تحرير الاقتصاد الوطني من هيمنة المؤسسات المالية الدولية بوصفاتها المعادية للتنمية الوطنية (من حيث انها تركز على اولوية مقتضيات السداد).
4- ان اي مشروع وطني يحتاج الى تحشيد كل القوى الاجتماعية الوطنية ومساهماتها الفاعلة تعويضا عن ضعف رأس المال، وذلك التحشيد لا يمكن انجازه بوسائل قسرية، ولكن بالاقناع وبالاساليب الديمقراطية.
***
ان الاطروحة الليبرالية الاقتصادية تحتاج الى تعديلات جوهرية، لكي تتواءم مع المصالح والاحتياجات الوطنية، ولكن هذه التعديلات سوف تصطدم مع شبكة مصالح واحتياجات الليبراليين الجدد الذين يفضلون، والحالة هذه، التضامن في شبكة نفوذ، بديلا عن الحزب السياسي ومع ذلك – بل قل بسبب ذلك – فاننا نطالب الليبراليين الاردنيين بالتحزب علنا.