ناهض حتّر
ربما كان أهمّ الآثار المنتظرة للمواجهة البطولية الناجحة التي خاضها ويخوضها حزب الله، هو اطلاق دينامية جديدة في العراق.
هناك -كما هو معروف- تماثل رئىسي بين المقاومتين، اللبنانية والعراقية. وهذا التماثل يمكن في ان كلا المقاومتين تعتمدان على قاعدة اجتماعية طائفية. في لبنان: المقاومة شيعية. بينما الطوائف الأخرى (السنة، المسيحيون، الدروز) خارجها، وبفضل التزامها الاخلاقي الانساني الصارم فان أغلبية أبناء هذه الطوائف، يساندون سياسياً ووجدانياً وانسانياً، هذه المقاومة. بينما، في العراق: المقاومة سنيّة، ولكنها لا تحظى -حتى الآن، ويا للأسف- بالدعم السياسي من قبل الشيعة أو الأكراد.
في البلدين، ثمة معطيات معقدة أدت الى انحصار المقاومة في طائفة. لكن الدرس اللبناني، يعلمنا ان هذه الظاهرة يمكن حصرها في الجانب القتالي دون السياسي، بحيث يكون للمقاومة، كحضور ومعنى واداء وبرنامج، طابع وطني عام، وهذا ما لم يحدث في العراق حتى الآن.
الشيعة العراقيون ما زالوا مندرجين في العملية السياسية الأمريكية في العراق. وجرى ذلك، ويجري، في سياق تتحكم فيه قوى طائفية مرتبطة في الآن نفسه، بواشنطن وطهران اللتين تقاطعت مصالحهما ضد نهضة العراق.
ويشعر الشيعة العراقيون «بالمظلومية» التاريخية التي تحولت – كما هو معهود في هذه الحالات- الى عصاب عدواني معكوس. ويتمثل ذلك في ميليشيات اجراميّة احترفت الذبح على الهوية.
واقصاء الشيعة العراقيين عن المشاركة العادلة في السلطة والمكتسبات، تقليدياً، قادهم الى الخضوع لعقلية اغتنام فرصة الاحتلال الاجنبي، للحصول على العدالة.
بالمقابل، فان ضعف التكوين السياسي للعرب السنة في العراق، لم يمكنهم من تطوير القدرات التنظيمية والسياسية والفكرية للمقاومة على الرغم من تفوق قدراتهم العسكرية.
وأسوأ ما لحق بالمقاومة العراقية يكمن في تسلل انصار «القاعدة» والجماعات التكفيرية الى صفوفها، فاختلطت المقاومة بالارهاب. وهو ما اضعف التأييد الجماهيري العراقي والعربي للمقاومين، وساهم، وهذا هو الأهم – في استعداء الجماهير الشيعية التي الحَّ انصار «القاعدة» على اعتبارها كافرة وجزءاً من معسكر الاستعمار، و«حللوا»، بالتالي دماء ابنائها في مذابح بشعة.
كذلك، فإن الأطروحة البعثية – بالحاحها على عودة النظام السابق- استعدت، بدورها، الجماهير الشيعية التي طالما نظرت الى ذلك النظام باعتباره مصدر مظلوميتها وآلامها.
منذ أواخر العام ،2005 سيطرالتذابح المذهبي على المشهد السياسي العراقي. وهو تذابح أرهق العراقيين، وعّمق الانقسام في صفوفهم، ووضع مهمة طرد المحتلين الأمريكيين في المقام الثاني.
ولم تكن هذه المحصلة المأسوية، حتمية. ولقد كان بامكان المقاومة العراقية ان تجتذب اليها اغلبية الشيعة، والاكراد، من خلال اقتراح عملية سياسية وطنية بديلة ومضادة للعملية السياسية الامريكية، لكن ما حدث ان المقاومة العراقية ركزت جهدها في القتال، من دون ان تبادر الى تطوير بديل سياسي. بالنتيجة اندرج قسم من العرب السنة ايضاً، في العملية السياسية الامريكية، القائمة عن المحاصصة الطائفية في ظل الهيمنة الامريكية.
«والمحاصصة» هذه، في ظل الاحتلال، هي المصدر الاساسي للتحشيد والاقتتال الطائفي، ابتداءً من السعي المحموم لانتزاع او الحفاظ على المكاسب الطائفية، وانتهاءً بالمشاريع التقسيميّة التي تداعب القيادات الكردية والقيادات الشيعّية، بينما يرفضها السنّة لأن التقسيم سوف يتم على حسابهم بالذات. فمناطقهم محصورة، وتخلو من الثروات النفطية.
من جنوب لبنان، ننتظر، الآن، أن يأتي الفرج للعراق. ونحن نعتقد ان المواجهة الحاصلة بحدِّ ذاتها- والتضامن الوطني اللبناني- بحد ذاته سوف يقدمان انموذجاً للعراقيين، أولاً، لجهة خروج القسم الرئيسي من الجماهير العربية والشيعية من هيمنة الاحزاب المتواطئة مع المحتلين الى المواجهة مع العدو الامريكي، وثانياً، لجهة انكفاء القوى الطائفية والتكفيرية، الشيعية والسنية معاً، وثالثاً، لجهة انفتاح الافق لتأسيس عملية سياسية وطنية شاملة تقدم البديل التاريخي عن الاحتلال. والمحاصصة والاقتتال المذهبي والعرقي، نحو عراق متحرر وموحّد ومزدهر في ظل نظام جمهوري يقوم على المواطنة.
… النصر التالي.. سيكون في العراق.