تعرضت صورة الأردن ، في اليومين الفائتين الى هزة مؤسفة، نشأت ، بالأساس ، عن ضعف الادارة الاعلامية، والتباس مفهوم ‘ التسويق السياسي’ لمبادرة السلام العربية.في الشق الاعلامي ، أنا لاأبرئ قناة الجزيرة من اجنداتها السياسية. ولكن الاساءة الى الموقف الاردني من قضية اللاجئين ، لا تتحملها الجزيرة القطرية بل هآرتس الاسرائيلية.هآرتس هي التي نشرت قصة ملتبسة ومزيدة ومسيئة لمراسلها شاحر ايلان الذي غطى لقاء الملك بوفد الكنيست الاسرائيلي في عمان. وقد تداولت الفضائيات ومواقع الانترنت ، هذه القصة وابرزتها بوصفها مادة اعلامية ساخنة لا يمكن تجاهلها من وجهة النظر المهنية. وهذا هو ما فعلته الجزيرة كغيرها. وليس ذنبها انها الأكثر حضورا في الاعلام العربي. وربما كان على المعنيين في الديوان الملكي ، استغلال ذلك الحضولر ، واستدراك الأمر بتصريح خاص للفضائية نفسها.
بل ان الواجب المهني كان يدعو الأجهزة الاعلامية الاردنية الى اكتشاف قصة هآرتس قبل ان يطلع عليه الآخرون ، ومعالجتها بالنفي والتوضيح اللازمين ، ولكن – وكما يحدث عادة – ‘ تفاجأ ‘ المعنيون بالخبر او تباطأوا بمعالجته بحيث أخذ مداه ، وبحيث ان عدة صحف عربية صدرت ، في اليوم التالي، من دون ان تلحق بيان’ اعلام الديوان ‘
معالجة المشكلات الاعلامية ، تحتاج الى حساسية مهنية وديناميكية، ليستا حاضرتين لدى هذا الحشد من موظفي الاعلام الرسمي الذين ما زالوا يتحركون على ايقاع الخمسينيات، ويحسبون ان العالم يبدأ وينتهي عند حدود الرمثا ولذلك فانهم يتورطون في اشكالات اعلامية من دون ضرورة، ثم لا يحسنون معالجتها، بحيث تكبر مثل كرة الثلج. وهذا ما حصل في قصة مصادرة شريط الحوار مع الامير الحسن.
ربما انه آن الاوان ان يكون لدينا اعلام رسمي مركزي يتمتع بالكفاءه والمهنية والفعالية، وقادر على التعامل مع وسائل الاعلام والاعلاميين من دون مواقف سياسية او شخصية مسبقة.
في الشق الثاني – السياسي – اقول ‘رب ضارة نافعة’ فقد كانت قصة هآرتس مناسبه لتوضيح الموقف الاردني ومن قضية اللاجئين. ومن النافل القول ان الاردن هوآخر الاطراف العربية التي يمكنها تقديم تنازلات في هذه القضية التي هي، في الاخير، قضية اردنية داخلية تمس مباشرة مصالح ومستقبل جميع الاردنيين، ولا يمكن البت بها واقعيا من دون الاجماع الشعبي الوطني، فلسطينيا واردنيا.
كذلك، لعله من حسن الحظ ان يأتي ‘درس هآرتس’ في وقت مبكر، قبل ان تأخذ الاندفاعه الدبلوماسية الاردنية نحو اسرائيل، مدى لا يمكن السيطرة عليه. ولا بد ان دوائر صنع القرار الاردني، سوف تعيد الان تقييم الموقف، لئلا يجري استهلاك تلك الاندفاعه من قبل الاسرائيليين لاغراض سياسية داخلية.
وربما يتم التوقف، اردنيا، لمناقشة المسألة السياسية في الحملة السلمية الاردنية. وهي المتعلقه بالخلط بين مقهوم ‘التسويق’ – ‘الترويج’، الاتي من عالم البزنس، وبين مفهوم الدينامية السياسية الهادفه الى خلق اجواء مناسبة لانجاح المبادرة العربية للسلام:
1- ‘فالتسويق’ يتطلب ابداء المرونة وتجميل الموقف في عيون المتلقي ومداراة هواجسه ومطامعه والتغاضي عن ابراز الشروط اللازمه لعقد الاتفاق الخ ويؤدي ذلك، في السياسة، الى التباسات لا تحمد عقباها.
2- يرتبط ‘التسويق’ الناجح بالقدرة على اتخاذ القرار النهائي بشأن الاتفاق. ومن الواضح ان هذا القرار فيما يتصل بالصراع العربي الاسرائيلي، ليس مقصورا على الاردن. كذلك فانه يرتبط بحقوق وطنية لا يمكن التنازل عنها.
3- ان آليات ‘التسويق’، في الحاله العربية الاسرائيلية، هي نفسها آليات ‘التطبيع’. ولكن ‘التطبيع’ هو الورقه الوحيدة الموجودة في ايدي المبادرة العربية للضغط على اسرائيل. وبالنسبة للاردن فان الخشية هي ان ينجر الى دفع الكلفة السياسية الباهظة للتطبيع، محليا وعربيا، على حساب صورته ومصالحه الوطنية – اسراه ومياهه وامنه وكيانه وحقوق ‘لاجئيه’ – من دون جدوى.