الكتلة الحرجة لتحقيق الانسحاب الامريكي من العراق, تشكلت فعلا. والآن, فان كل حركة – مظاهرة او مسيرة او اعتصام او بيان او برقية.. – تصدر من الشارع العربي, سيكون لها وزن نوعي, وسوف تسهم في احداث مسار انقلابي في القضية العراقيةانها, بالطبع, وبالدرجة الاولى, مسألة ضمير. فالشعب العراقي تعرض, خلال السنوات الاربع الماضية من الاحتلال الهمجي, الى ما يشبه حرب الابادة, مع اكثر من مليون قتيل وجريح ومشوه واكثر من اربعة ملايين مهجر, بالاضافة الى المذبحة, المتعددة الاطراف, والتي تحصد زهرة المجتمع العراقي من النخب العلمية والثقافية والابداعية والطاقات الشابة.
الاحتلال الامريكي هو المسؤول الاول عن هذه الجريمة الكبرى ضد الانسانية; مسؤول بالمعنى المباشر, بما اقترفه من عمليات قتل جماعي ومطاردات واعتقالات وتعذيب لعشرات الالاف من الاسرى, مثلما انه مسؤول بالمعنى السياسي, جراء قيامه بتفكيك الدولة العراقية ومؤسساتها الادارية والعسكرية والامنية, واخضاع البلد لعملية سياسية تقوم على المحاصصة المذهبية والاثنية, وتولد, بالتالي, بصورة تلقائية, الانقسامات والاقتتال الاهلي.
والاحتلال الامريكي هو الذي اتاح, بالتوافق الموضوعي او حتى بالترتيبات, او جراء الفشل الامني والسياسي, ولادة قوى الارهاب المذهبي:’القاعدة في بلاد الرافدين’ ومليشيات الموت على جانبي الانقسام المذهبي.
امام هذه المأساة المتجددة, ترتجف الضمائر الحية, وقد حان الوقت كي تعبّر عن نفسها بقوة ومثابرة واخلاص.
غير انها, ايضا, مسألة سياسية واقعية. فـ ‘الاحتلال’ – وهو, بحد ذاته, مشروع لا عقلاني يحاول تجديد الاستعمار الكولنيالي في اوائل القرن الحادي والعشرين – يعاني من الضغوط الميدانية في العراق, والسياسية في الولايات المتحدة, بينما تتغير الاتجاهات الاقليمية تجاهه: فطرفا ‘المعادلة’ الاساسيان, ايران والسعودية, يسيران نحو التفاهم. في طهران, انتقل ‘الملف العراقي’ من ايدي ‘الاجهزة’ الى مكتب المرشد, علي خامنئي – ما يعني امكانية الانتقال من مرحلة ‘التواطؤ’ الى مرحلة اولوية جلاء الاحتلال – وفي الرياض, امسك الملك عبدالله بن عبدالعزيز, ‘بالملف’ المتفجر ذاك.
الكونغرس الديمقراطي يشن حملة دبلوماسية مستقلة على اساس توصيات بيكر – هاملتون, بينما تتردى خطة بوش الصغير الامنية الجديدة في الفشل.
وتشكل هذه العلامات, خلفية ايجابية للتحرك الشعبي العربي في 9 نيسان المقبل, ذكرى احتلال بغداد. وهذا التحرك – بكل اشكاله, ومهما كانت بسيطة – سوف يكون له, الان, تأثير سياسي عملي مباشر.
واتجاهات التحرك الشعبي, الاكثر تأثيرا, هي تلك التي تنصب على الضغط على الحكومات العربية من اجل الاعلان الصريح, وراء العاهل السعودي, اعتبار الوجود الامريكي في العراق ‘احتلالا’ اجنبيا ‘غير مشروع’.
لكن, بالدرجة نفسها من الاهمية, لا بد ان ترسل الجماهير العربية – جماعات واحزابا ومؤسسات وشخصيات. رسالة غير ملتبسة الى العرب العراقيين لحثهم على تجاوز الانقسام المذهبي, وتوحيد جهودهم النضالية والسياسية, ضد الاحتلال, وفي الوقت نفسه, ضد القوى المذهبية والانفصالية السوداء.
و’الرسالة’ من الاغلبية العربية السنية من المحيط الى الخليج, سوف تكون مؤثرة, اذا توجهت الى القوى الوطنية والعشائر العربية الشيعية في العراق, بالتأكيد على وحدة الامة, وتلافي الخطابات المذهبية البغيضة او الالحاح على احياء النظام السابق الذي اصبح بحسناته وسيئاته, من الماضي; والتركيز على اعادة تأسيس دولة عراقية لكل ابنائها, تقوم على العروبة والمواطنية.
غير ان ابلغ تحرك جماهيري قادر على ردم الهوة المذهبية, واحياء وحدة المقاومات العربية, يتمثل في مسيرة ضخمة يحركها ‘حزب الله’ في لبنان, تتركز شعاراتها على المطالبة بجلاء الاحتلال الامريكي عن العراق, وتأكيد وحدة الشعب العراقي وعروبته.
مبادرة كهذه سوف تلهم العراقيين, الخروج من المستنقع المذهبي, وتستعيد مكانة ‘حزب الله’ لدى العرب, وتكسر الجدار الوهمي مع الجماهير الوطنية السنية في لبنان, وتغيّر او تسهم في تغيير المعادلة الداخلية في هذا البلد المعرض هو نفسه لانفجار الانقسام المذهبي.