أصبح واضحا أن الرئيس الأميركي، باراك أوباما، ووزير خارجيته، جون كيري، عاجزان عن فرض التنفيذ الكامل للتفاهمات المعقودة مع موسكو بشأن الحل السياسي في سوريا؛ ليس، فقط، لأن الإدارة الأوبامية تعيش أيامها الأخيرة، بل، كذلك، بسبب الضغوط الداخلية من اليمين والبنتاجون والسي آي إيه، والضغوط الخارجية الحليفة، سيما من قبل الرياض وأنقرة.مع ذلك، فإن الهدنة ما تزال صامدة ـ وإن تكن هشة للغاية؛ خصوصا أن الفريقين على الأرض، يكادان يستنفدان حاجتهما إليها:
وسّعت دمشق من نطاق المصالحات المحلية، وانتقل آلاف المقاتلين المحليين إلى صف الدولة، وركّز الجيش السوري قدراته على القتال الناجح ضد ‘ داعش’، وحقق انجازات أهمها استرداد مدينة تدمر بأهميتها الاستراتيجية والرمزية، ومدينة القريتين، بأهميتها الإنسانية، إذ تعرّض سكانها المسيحيون للقتل والتهجير والاضطرار إلى تغيير الدين أو دفع الجزية الخ على أيدي الدواعش المتوحشين.
بالمقابل، تمكن ‘ تنظيم القاعدة في بلاد الشام ـ جبهة النصرة ‘ من إعادة تنظيم صفوفه، وتحشيد فصائل إسلامية جرى اعتبارها معتدلة مثل ‘ أحرار الشام’ و’ جيش الإسلام’، وحصلت من حلفائها الإقليميين، برعاية المخابرات الأميركية، على أسلحة نوعية، ومنها صواريخ أرض ـ جو وصواريخ التاو المضادة للدروع. وهي بدأت تهاجم، بالفعل، مواقع الجيش السوري وحلفائه في شمالي سوريا، وخصوصا حول حلب، حيث حشدت النصرة وحلفاؤها ‘ المعتدلون’، آلاف المسلحين والمعدات، وفتحت خطوط تواصل ميداني مع مسلحي ‘داعش’ الذين بدأوا باستخدام الأسلحة الكيميائية ضد الجيش السوري، وسط صمت اقليمي ودولي، ورفض الغرب اصدار قرار إدانة لاستخدام المسلحين من داعش والنصرة، للأسلحة المحرمة دوليا، ومصدرها، كما هو معروف، تركيا.
معركة حلب آتية، إذاً، بلا ريب في وقت قصير؛ فالجيش السوري، من جهته، يحشد قوات وأسلحة غير مسبوقة، مدعوما بقوات لبنانية وعراقية وايرانية وروسية، وتحت غطاء الطيران الروسي، وينتظر قرارا سياسيا بالحسم، وتحرير الأجزاء المحتلة من عاصمة البلاد الاقتصادية، وريفها.
ما يزال الجيش السوري ملتزما بعدم المبادرة إلى القتال، بالتنسيق مع الحليف الروسي المصرّ على استنفاد الوسائل السياسية، وخصوصا مسعاه إلى إصدار قرار أممي باعتماد رقابة دولية على الحدود التركية ـ السورية، لمنع تهريب السلاح والمسلحين.
غير أن افتتاح معركة حلب، بالنسبة للسوريين والإيرانيين والروس، لن يطول كثيراً؛
ـ فالقيادة السورية التي أخذت أكثر ما يمكنها من فترة الهدنة، ترى أن جنيف 3، متعثر، جراء إصرار تحالف الرياض ـ أنقرة، على شطب تفاهمات فينا الأميركية ـ الروسية؛ بينما تدرك أن حسم معركة حلب من شأنه أن يحسم ثلاثة أرباع الحرب كلها؛
ـ والقيادة الإيرانية التي كانت تنتظر انفراجا ما بنتائج إيجابية من مؤتمر منظمة العالم الإسلامي في اسطنبول، خرجت بهزيمة دبلوماسية من مؤتمر فرضت الرياض وأنقرة، مناخه وقراراته في خط معاد لطهران التي أصبحت، الآن، في حلٍ من أي تفاهمات مع تركيا، وتريد توجيه صفعة ميدانية ـ سياسية لأردوغان؛
ـ والقيادة الروسية بدأت، بدورها، تضجر من لعبة الثلاث ورقات الأميركية، وتضمر تأديب أردوغان، وتدرك، وهذا هو الأهم، أن عليها إنجاز القسم الأساسي من الحسم العسكري في سوريا قبل نهاية العام الحالي، تحسبا من إدارة أميركية جديدة، قد تقود الأحداث إلى حرب عالمية.
… وعلى رغم أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، قد أقر بتعقيدات الجبهة الشمالية في سوريا، إلا أنه أعرب عن ثقته بقدرة الجيش السوري على تحرير أراضي بلاده من مسلحي داعش والنصرة وحلفائهما. وهذه الثقة التي تصدر عن رئيس وقور لدولة عظمى صاعدة، تنطوي على استعداد لخوض الحرب حتى النهاية؛ خصوصا وأن موسكو تنطلق مما يلي:
أولا، أنها بذلت كل ما تستطيع على المستوى السياسي الدبلوماسي، وأنه لم يعد ممكنا الاستمرار طويلا في التعويل على أوباما ـ كيري،
ثانيا، أنها وضعت العالم أمام واقع هدنة مع المعارضات ـ حتى المتطرفة منها ـ والتفرغ لقتال ‘ داعش’،
ثالثا، أنها كشفت، ميدانيا، أن ما كانت تلح عليه من كون تنظيمات مثل ‘ أحرار الشام’ وجيش الإسلام’ ، تنظيمين إرهابيين، أصبح واضحا ومؤكدا،
رابعا، أنها لم تعد تصبر على ضرورة تحجيم حكومة أردوغان، خصوصا بعد مسعاه لإشعال الحرب الأذرية ـ الأرمنية، وصدمور قرار منظمة المؤتمر الإسلامي في اسطنبول، المعادي لأرمينيا، حليفة روسيا الأقرب،
خامسا، أنها لا تريد أن تمنح الإيرانيين، مرة أخرى، موقع الريادة في الحرب السورية، وإنما الإبقاء على قوة إيران جزءا من التحالف الذي تتزعمه موسكو.
وعلينا ألا ننسى في الأخير أن كسب الحرب في سوريا هو رهان حياة أو موت بالنسبة للاتحاد الروسي؛ فالانتصار في سوريا يعني فوز موسكو بمكانتها الدولية كقوى عظمى ثانية، واحتفاظها بمصالحها الشرق أوسطية، بينما الهزيمة في سوريا تعني العودة إلى الإنكفاء الروسي. وهذا، بالنسبة للرئيس بوتين، ممنوع مهما كلّف الثمن.
ومن نافل القول إن انتصار روسيا في سوريا له أربعة شروط أولها تصفية كل الجماعات المسلحة في سوريا، متطرفة أو معتدلة، حربا أو سلما، وثانيها رئاسة الأسد ( بغض النظر عن تجديد تركيبة النظام) ووحدة وصلابة الجيش السوري، وثالثها الحفاظ على وحدة سوريا ودولتها، ورابعها الحفاظ على المصالح الروسية، الاستراتيجية والاقتصادية في سوريا والمنطقة.
حتّر يكتب : الحرب السورية مستمرة
Posted in Uncategorized.