استعداد الرئيس عبد الرؤوف الروابدة، العودة (الشخصية) إلى الخلف، والقبول بحقيبة وزارية، موقف يدل على الحس العالي بالمسؤولية الوطنية، يتلاقى مع ضرورة وطنية تطرح نفسها في هذه المرحلة؛ ففي الواقع، هناك عشرات الأسباب التي تحتّم مشاركة الروابدة وطاهر المصري وعبدالكريم الكباريتي وعلي ابو الراغب ومعروف البخيت ورجائي المعشر وعبدالإله الخطيب وعبدالهادي المجالي ونادر الذهبي وأحمد عبيدات وعون الخصاونه وسمير الرفاعي وعبدالله النسور .. والآخرين في نادي الرؤساء وكبار الرؤساء، في حكومة أقطاب؛ فمَن يكون الرئيس؟
مسألة يمكن حلها بالتراضي؛ ففي حكومة الأقطاب، سيكون الجميع في مرتبة رئيس.. ما هي المبررات لقيام حكومة أقطاب؟ داخليا، تلافي نتائج الصراع القائم في نادي الحكم، في الدولة والدولة العميقة، حول قوانين الإصلاح السياسي؛ فالرئيس النسور يتحمل، الآن، وحده، عبء المواجهة مع الهجمة النيو ليبرالية التي تريد فرض برنامجها في قوانين اللامركزية والانتخابات وسواها من قوانين ما يسمى ‘الإصلاح السياسي’.
صد النسور، ويصدّ، بوسائل بيروقراطية لا سياسية، الهجمة التي تهدف إلى ما يلي:
(1) تفكيك البيروقراطية الوطنية، واخراجها من المشاركة في الحكم، أو، أقله، اضعافها ومنعها من القيام بأي دور سياسي فعال، (2) تفكيك العشائر كوحدات سياسية، (3) سحب السلاح من المحافظات، (4) تفكيك النسيج الإداري والسياسي للمحافظات في بلد صغير كالأردن، تحت شعار اللا مركزية، (5) اقرار قانون انتخابات يؤدي إلى التوطين السياسي، (6) تعزيز العلاقات الثنائية مع إسرائيل كبديل عن استعصاء العلاقات العربية ـ العربية، (7) تغيير الهوية الوطنية للبلاد نحو هوية عولمية أساسها السوق، لا الوطن. ويتعرض الرئيس النسور، للضغوط، ويكظمها، ويسعى لاستيعابها؛ ومن المؤسف أن عدة أصوات وطنية تناكفه لأسباب شخصية أو انجرارا وراء النيوليبراليين.
وعلى كل حال؛ فإن التوصل إلى صيغة ‘ للإصلاح السياسي’ لا تؤدي إلى تفاقم الصراعات السياسية والاجتماعية في الأردن، يتطلب حكومة أقطاب، تعكس، بتكوينها، التيارات السياسية والأوزان الاجتماعية، وتحول دون الشطط، بلا إفراط ولا تفريط؛ فالصيغ التي يتفق عليها الأقطاب، في كل المجالات، ستحظى، في النهاية، بقبول أغلبية الأردنيين. خارجيا، (1) ضرورة تصحيح المسار لتلافي الوقوع في التبعية الاستراتيجية لإسرائيل التي تشكل خطرا على استقلال الأردن وكيانه ومستقبله.
إن حتمية المواجهة مع إسرائيل ليست مسألة أيديولوجية أو عقيدية أو ذاتية، وإنما هي نتيجة موضوعية للسياسات الإسرائيلية القائمة على منع إقامة دولة فلسطينية والتضييق على الفلسطينيين، بكل الوسائل، للهجرة من وطنهم. مع السياسات الإسرائيلية، نحن أمام خيارين لا ثالث لهما؛ فإما القبول بالوطن البديل، وإما المواجهة؛ فما هو شكل هذه المواجهة، وما هي السياسات الوطنية الأنجع للحفاظ على الدولة الوطنية الأردنية؟ هذا سؤال تقدم حكومة الأقطاب، الإجابة عليه، في حدود الضروري والممكن.
(2) ضرورة تصحيح المسار لتلافي الاستمرار في الأدوار الأمنية الغامضة التي تقود إلى تعاون موضوعي مع قوى تكفيرية وإرهابية، لتحقيق أغراض سياسية. وأمام هول الخطر الإرهابي على البلد والمنطقة، أصبحت الممارسات الأمنية الغامضة، مهددةً للأمن الوطني الذي لا يمكن الحفاظ على أسسه من دون المشاركة الجدية الفاعلة غير الملتبسة في الحرب على الإرهاب، بكل صوره؛ فكل من يحمل السلاح في مواجهة الجيوش الوطنية هو إرهابي. ومن الضروري أن يقوم الأردن بنشر هذه الثقافة، محليا وإقليميا، في إطار التأكيد على القانون الدولي وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول المستقلة.
(3) حسم هوية الدولة الأردنية، بوصفها دولة مدنية. وما يترتب على ذلك من إعادة النظر في السياسات الإعلامية والتربوية، وتجريم التحريض الطائفي بكل أشكاله، والتبني الحازم لرسالة عمان ـ المعادية للتكفير والطائفية ـ كأساس للسياسة الخارجية الأردنية.
(4) إعادة ترتيب العلاقات مع سوريا والعراق في إطار الإخوة العربية والقانون الدولي، والتنسيق ضد الإرهاب، والتعاون الاقتصادي.
(5) السعي لإعادة بناء النظام العربي من خلال التحالف الوثيق مع جمهورية مصر العربية. إن تصحيح مسارات السياسة الخارجية ـ وعلاقاتها بالداخل والممارسات الأمنية ـ أصبح ضرورة وطنية ملحة، لا يمكن مواجهتها من دون حكومة أقطاب تضبط الأمن والسياسة الخارجية في ضوء المصالح العليل للبلاد.
ولا يستقيم كل ذلك، من دون تدخل حكومي فاعل في التخفيف من ضغوط اقتصاد السوق على الأغلبية الشعبية، وخصوصا في المحافظات. الإجراءات، تبدأ بـ(1)حل البرلمان، (2) تكليف حكومة أقطاب بكتاب تكليف يتضمن نقطة واحدة هي ممارسة الولاية الدستورية في الشؤون الخارجية والداخلية، (3) تستمر ولاية حكومة الأقطاب سنتين، تقر ، خلالها، قانون الانتخاب العام، وتجري الانتخابات، وتسلم الأمانة لحكومة برلمانية.