حتى الآن، ما تزال القيادة السورية تتفهّم لعبة التوازنات التي خاضتها عمان، خلال ثلاث سنوات من الحرب على سوريا، كانت الحدود الأردنية مؤذية للسوريين بالطبع، وإنما أقل إيذاءً بكثير من سواها، وأكثر انضباطا. وهكذا، يمكن أن تمر الحرب التي توشك على النهاية، من دون أن تلحق بالعلاقات الأردنية ـ السورية، أضرار بالغة، يصعب إصلاحها.
من اليوم، عشية الانتخابات الرئاسية السورية، يجد مطبخ القرار الأردني نفسه في لحظة اختيار صعبة؛ فعدم السماح للمواطنين السوريين المقيمين في الأردن من المشاركة فيها، سيُعَدّ، في دمشق، موقفا عدائيا في عمقه السياسي؛ معناه أن عمان ترفض التجديد للشرعية السورية، وتدعم الاتجاه لإطالة أمد الحرب، وكل ما ينطوي عليه ذلك من مخاطر ستراتيجية، تتناقض مع التصريحات الرسمية الأردنية حول الحل السياسي ووحدة الجمهورية الشقيقة وسلامها؛ بالنسبة للقيادة السورية لن يمس القرار الأردني بشرعية العملية الانتخابية المتوقع أن تحظى بمشاركة ما لا يقل عن 75 بالمائة من اجمالي السوريين، لكن المتضرر الفعلي هو الأردن.
لقد أصبح هدف إسقاط النظام السوري وراءنا، و لم يعد ممكنا ولا مطروحا، وجملة الأهداف التي تسعى واشنطن اليوم لتحقيقها في سوريا، تكمن في الآتي:
أولا، الضغط على روسيا في سوريا؛
ثانيا، إدامة الحرب أطول فترة ممكنة لإنهاك البلد، واضعافه والسعي إلى تغيير سياساته، سواء نحو إسرائيل أو التحالفات الإقليمية والدولية أو ـ داخليا ـ نحو تفكيك القطاع العام، ومنح حصص للشركات الأميركية في حقول الغاز السورية الواعدة؛
ثالثا، تمكين إسرائيل من ترتيب الجيب الأمني العازل في الجولان ـ بالتعاون مع العصابات التكفيرية العميلة ـ في مسعى لفرض حل ينتقص من الحقوق والسيادة السورية في الهضبة المحتلة.
هذه الأهداف الاستعمارية والصهيونية لن تمر في سوريا التي تجاوزت أسوأ الأوقات، بينما ستكون الانتخابات الرئاسية في 3 حزيران المقبل لحظة الانتقال نحو الحسم السياسي والعسكري والأمني، والولوج إلى مرحلة الاستقرار وإعادة البناء. وللأردن مصلحة استراتيجية في هذه العملية؛ ولذلك، فإن الوقوف في وجهها ـ عدا عن كونه نافلا ـ سيلحق الضرر بالمملكة على عدة صعد، أقلها تردي العلاقة مع دمشق؛ لكن أكبرها، فيكمن في مسألتي اللاجئين والإرهاب.
طالما أن الحرب مستعرة، ترى دمشق أن إطفاء قصة اللاجئين السوريين مفيدة سياسيا، لكن حالما يتم تجاوز هذه المرحلة، سوف تتغير النظرة؛ فالقسم الأساسي من اللاجئين ـ وخصوصا في الأردن وتركيا، وإلى حد ما في لبنان ـ يمثلون حاضنات اجتماعية معارضة ، بالإضافة إلى أنهم يشكلون عبئا اقتصاديا على عملية إعادة البناء في البلد، وتوطينهم النهائي في بلدان الاستضافة لن يمثل، بعد، مشكلة سورية، وإنما مشكلة لتلك البلدان.
وانطلاقا من الحرص على المصالح الأردنية بالدرجة الأولى، طرح وفد المجلس الأردني للشؤون الخارجية، على الرئيس بشار الأسد والمسؤولين السوريين، مبادرة تمت متابعتها حتى التوصل إلى موافقة سورية صريحة على ترتيب فوري لاستعادة عشرات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين المسجلين لدى سوريا والمقيمين الآن في الأردن، بالإضافة إلى تشكيل لجنة أردنية ـ سورية مشتركة للبحث في صيغ لتأمين عودة وسلامة جميع اللاجئين السوريين في الأردن إلى بلادهم. هذه المبادرة قوبلت بالصمت في عمان؛ أكثر من ذلك، فإن عرقلة مشاركة اللاجئين السوريين في العملية السياسية السورية، يمهد، سياسيا، لتوطينهم في الأردن. ويتحمل مطبخ القرار الأردني، اليوم، المسؤولية التاريخية، أمام الله والوطن، عن هذا المآل للتطورات.
وفي مسألة الإرهاب، وافق الجانب السوري على التنسيق لإغلاق المعابر، والحيلولة دون تسرّب الإرهابيين من درعا ـ لدى تحريرها ـ نحو المملكة. الجانب الأردني ما يزال يغامر بحثا عن مكتسبات آنية، ومن المؤسف أن تجري معركة درعا من دون تنسيق ثنائي ما يعني انتقال آلاف الإرهابيين إلى الأراضي الأردنية، بينما سيشكل قسم كبير من اللاجئين السوريين، حاضنات اجتماعية لهؤلاء؛ وهكذا، سنكون أمام مشكلة اقتصادية واجتماعية وسياسية وأمنية، لا نملك القدرة على استيعابها.
عدم المبادرة إلى التنسيق الأمني والسياسي مع الجانب السوري في مسألتي اللاجئين والإرهاب، خطأ استراتيجي كارثي، ويبدو لي، من خلال الاتجاه إلى عرقلة مشاركة السوريين المقيمين في البلاد في الانتخابات الرئاسية السورية، أن السياسة الأردنية ممعنة في هذا الخطأ.