كنتُ واحدا من جملة يساريين وقوميين، أعطوا لمشروع نقابة المعلمين، جهودهم منذ اللحظة الأولى، وحتى انتزاع القرار بقيامها. كانت حركة المعلمين واعدة بقدرتها على خلق تيار وطني اجتماعي في صفوف ما أسميتهم، في حينه، بروليتاريا القطاع العام، وكانت غنية بالمساهمات النضالية وتحفيز الشعور بالكرامة وإطلاق الأفكار الجديدة على المستوى النقابي، كما على المستوى المهني.
في خضمّ العمل النضالي، برزت الحاجة إلى رمز للحركة، فتم اختيار المعلم مصطفى الرواشدة، واستثمرت كل القوى الوطنية والشخصيات في هذا الرمز، على الرغم من أنه لم يكن الوحيد الذي يمكن اختياره من بين عدة معلمين كان لهم قصب السبق في الحركة والنشاط والتضحيات والصلابة.
وهم كثيرون، ومنهم، مثلا لا حصرا، رائد العزام وغالب أبو قديس وأدما زريقات. وكل من هؤلاء يصلح رمزا. وهذه الملاحظة لا تنتقص من الرواشدة، ولكنها تشير إلى أن صناعة الرموز هي عملية اجتماعية سياسية، وليست جهدا فرديا.
في الفترة النضالية الصعبة في العام 2010، لم يكن الإخوان المسلمون من بين القوى التي تحملت الأعباء السياسية عن حركة المعلمين. ولقد كان، في هذه الحركة، معلمون ينتمون إلى الإخوان، لكن حضور الأخيرين السياسي كان غائبا. وقد حضر لدى انتزاع الحق واكتمال المهمة؛ جاءوا ليحصدوا النتائج.
‘ الإخوان’، في المعلمين كما في سائر المجالات، ليسوا قوة نضالية أو مبادرة، لكنهم، بالطبع، قوة تصويتية يُحسَب حسابها في الانتخابات.
هنا، كان التيار المدني بين المعلمين أمام خيارين، الأول هو خوض المعركة الانتخابية على أسس سياسية وفكرية تقدمية في مواجهة ‘الإخوان’؛ فحتى لو أدى ذلك إلى خسارة المواقع القيادية في النقابة، فإن النجاح السياسي كان حتميا، كانت حركة 2010 النضالية ستبقى وتتعمق، وكان الرواشدة سيبقى زعيما رغم أنف النقيب الإخواني! وأما الخيار الثاني فهو التحالف مع الإخوان للحصول ـ تحديدا ـ على منصب النقيب.
كان هذا هو خيار الرواشدة ومجموعته، مما أدى إلى انقسام التيار المدني الذي قررت ‘لجنة عمان الحرة’، تحمّل أعبائه.
واقعيا لم تكن معركة موحدة ضد الإخوان في نقابة المعلمين، مغامرة حتمية الفشل. بالعكس، كان يمكن تحقيق نصر انتخابي؛ فأبرز نشطاء التأسيس كانوا من التيار المدني، وكان الرواشدة قد حاز على ثقل معنوي بين المعلمين لا يمكن تجاوزه، لكنه، غير مدرك لوزنه، ذهب إلى التعاون مع الإخوان، سواء في صياغة النظام الانتخابي الذي يعزز فرصهم أم تفكيك التيار المدني أم في منح شعبيته للإخوان للحصول على موقع النقيب.
وبالنسبة للإخوان، كانت هذه غنيمة سهلة؛ فقد استولوا، بتخليهم عن موقع النقيب، على حركة المعلمين والنقابة ومواقع القرار فيها، وأخضعوها، لاحقا، لهيمنتهم وأفرغوها من مضمونها النضالي الوطني الاجتماعي، وسخّروها لخدمة مصالحهم. ثم لم يطل بهم الوقت، حتى تمكنوا من محاصرة وإقصاء النقيب وممثلي التيار المدني ممن تحالفوا معهم، عن القرار.
إنما الانتصار الأكبر للإخوان كان تمكنهم من تفتيت الحركة، وتكسير رمزية الرواشدة التي كانت نتاج نضال التيار المدني والقومي واليساري.
الدرس البليغ من هذا المسار المظلم يكمن في نقطة رئيسية هي أن التفريط بالمبادئ من أجل مكاسب آنية، يؤدي، في النهاية، إلى خسارة كل شيء.
(العرب اليوم)