سوف ننظر إلى الوراء قليلا، لنجد أن الموجات الرئيسية من تدفقات اللاجئين السوريين، وقعت جراء التشجيع الأردني، لوجستيا وإعلاميا، وتقديم التسهيلات لعبور النقاط الحدودية غير الشرعية، والتعاون مع المجموعات المسلحة وشبكات التهريب التي امتهنت تأمين اللجوء، وتأمين الفرار من المخيم نحو مختلف المحافظات الأردنية. وقد نجح العديد من هؤلاء اللاجئين في تدبير فرص عمل، ودخلوا في منافسة مع العمالة المصرية.شظف الحياة في المخيم وتراجع الفرص في سوق محدود، دفع باللاجئين الاقتصاديين إلى التفكير بالعودة، وبعض هؤلاء العائدين يئوب في حركة دائرية تقوم على حدود مفتوحة غير شرعية، تتطاول على سيادة بلد جار وشقيق، وتؤمن حديقة خلفية لشبكات تهريب البشر. تشكل العودة الدائمة أو المؤقتة، برهانا بينا على أن ظاهرة اللجوء السوري برمتها هي ظاهرة مصطنعة بنسبة 80 بالمائة، ربما 20 بالمائة من اللاجئين هم المضطرون للجوء لأسباب أمنية أو إنسانية. يقول المسؤولون الأردنيون إن تأمين العودة أصعب من تأمين الاستقبال. ولكن، لماذا وجع القلب من الأساس؟ لو كانت الإدارة الحكومية لملف اللجوء السوري، ملتزمة بالمصالح الوطنية، لأغلقت المنافذ الحدودية غير الشرعية التي وصل عددها إلى 45 منفذا، وتوصلت مع الحكومة السورية إلى تفاهمات تشجع اللاجئين وتسهّل لهم العودة إلى بلادهم، وأوقفت التعامل مع الجماعات المسلحة وشبكات الاتجار بتهريب البشر.
من الواضح، أمام هذه المعطيات، أن السياسة الرسمية الأردنية، بحاجة ماسّة إلى اللاجئين السوريين. وهناك مَن يفسّر هذه الحاجة بتكوين قضية لاجتذاب المساعدات المالية وتحسين فرص الاقتراض. وهذا متوقع، تقليديا، في النموذج الاقتصادي الأردني القائم على طلب الإعالة الخارجية. لكن، إلى جوار ذلك، وأهمّ منه، سوف نناقش الحاجة السياسية الأردنية لمخيم الزعتري.
أولا، يشكّل اللاجئون السوريون، وسيلة حيوية للحصول على مقعد في الأزمة السورية، تماما مثلما كان اللاجئون الفلسطينيون، وسيلة للحصول على أدوار في القضية الفلسطينية. وهذا التكرار الممل والكارثي للسياسات أضر ويضر بالأردن، وطنا وشعبا ودولة واستقرارا،
ثانيا، ضغوط اللجوء السوري على المواطنين الأردنيين، يمكنها، بالحسابات الرسمية، أن تخلق تأييدا عاما للتدخل الأردني في الشؤون السورية؛ فتحت شعار نكبة اللجوء، وزيادة الضغوط على الاقتصاد والخدمات، يمكن تفسير أي تورّط ضد الجمهورية العربية السورية، بالاضطرار للخلاص من مشكلة اللاجئين.
ثالثا، كثافة اللاجئين السوريين هي مادة أمنية ـ سياسية خام، يمكن وضعها في تصرّف الباحثين عن تجنيد عناصر مقاتلة في سوريا، كما هي مادة إعلامية ملائمة لبثّ تقارير مسيئة للنظام السوري الذي ‘ يبطش بشعبه، ويضطره إلى اللجوء إلى البلدان المجاورة’.
رابعا، وعلى الرغم من التصريحات الحاسمة، فقد تبين لنا أنه لا توجد أية آلية مضبوطة وفعالة تحول دون تسرّب اللاجئين الفلسطينيين من سورية نحو الأردن. ونحن نعتقد أن هناك في موقع ما من الإدارة، مَن يريد ذلك. ولا يوجد مسؤول أردني قادر على أن يجيبك بوضوح وحزم: كم عدد الفلسطينيين الذين عبروا إلى البلاد من سورية.
حركية اللجوء السوري إلى الأردن، تكشف أنه ظاهرة مصطنعة ومسيّسة وتجارية؛ ولقد آن الأوان لإغلاق هذا الملف، بالتنسيق مع السلطات السورية، سيما وأنها قاب قوسين من السيطرة الشاملة على كامل الحدود السورية ـ الأردنية، بحيث أن استمرار العبث بالمنافذ غير الشرعية، سيضعنا مباشرة في حالة اشتباك مع السوريين.
من المؤسف أن تظل مصالح الأردن الاستراتيجية، عرضة لسياسات مغامرة، ديدنها البحث عن الأموال والأدوار.
العرب اليوم