في التصويت النيابي على الثقة بحكومة عبدالله النسور، حدث ما يشبه الانقلاب في المواقع السياسية؛ فمع حذف الإنزياحات الفردية الشخصية في المنح والحجب، سوف نلاحظ أن نواب الدولة الأردنية العميقة، هم الذين شكّلوا الكتلة الحرجة للحاجبين، انطلاقا من أربعة احتجاجات سياسية، هي، أولا، الاحتجاج على التهميش الجماعي لرجال الدولة العميقة داخل البرلمان وخارجه، وثانيا، الاحتجاج على السياسات الحكومية المرنة في ملف التجنيس، وثالثا، الاحتجاج على اتجاهات التدخل في سورية، والإدارة الغامضة لملف اللاجئين. وينبع هذا الاحتجاج من تقدير سائد، بالفعل، بين هذه الأوساط، يرى، في الانجرار نحو الغرق في الأزمة السورية، فرصة للإخوان المسلمين ومخاطر جدية على الأمن الوطني، ورابعا، الاحتجاج على تكرار سياسات النيوليبرالية الجديدة التي أدت إلى إفقار المحافظات وتفكيك الدولة.
بالمقابل، فإن هذه التوجهات السياسية التي احتجّ عليها ‘ المحافظون’، هي نفسها التي كوّنت كتلة الثقة. وأكرّر أنني لا أتحدث هنا عن الأفراد، وإنما عن التوجهات العامة في البرلمان والمجتمع.
ولا يعني نيل حكومة النسور، الثقة بـ 54 بالمائة من الأصوات، بأن كتلة الثقة هي أكبر أو أقوى من كتلة الحجب.
بالعكس؛ فنحن، اليوم، أمام حكومة مهزوزة، تشكيلة وبرنامجا وثقة. وهي تواجه معارضة واسعة تصب فيها تيارات الدولة العميقة، والقوى الشعبية، واليسارية والقومية. وهو ما يجعل سقوط حكومة النسور في الشارع، مسألة وقت.
الأصوات الإضافية اللازمة لنجاح الحافة الذي حازته حكومة النسور، جرى تحشيدها بأفكار مريضة ومخجلة، بحيث أنني، لأسباب تتعلق بحرصي على مصالح الوطن، لا أريد الكشف عنها. لكن، لو جرى التصويت على الثقة من دون ذلك التحشيد، لما نالت الحكومة الثقة، على الرغم من الانتهازيين المكشوفين الذين يمارسون السياسة على النقيض من خطاباتهم في الحملات الانتخابية وفي المجلس.
على هذه الخلفية، فإن تفكك ‘ الكتل النيابية’ لم يكن مفاجأة؛ فهي كتل مفبركة، وظهر أن هناك كتلتين أساسيتين في البرلمان، كتلة الموالاة التي وثقت بالحكومة وكتلة المعارضة. وسوف تتبادلان، بالطبع، الحالات الفردية.
على هذه الخلفية، فإن دعوة النائب أمجد المجالي إلى قيام ‘حكومة ظل’ لكتلة المعارضة، تشكّل أفضل الاقتراحات لتنظيم عمل البرلمان في الفترة المقبلة، لإنقاذ العملية السياسية من السقوط والعودة إلى المربع الأول.
ويقوم تنفيذ هذا الاقتراح على عاتق نواب الدولة العميقة، الذين يمكنهم خوض الصراع ضد التهميش والتحوّل إلى قوة سياسية وازنة، من خلال التوافق على برنامج حد أدنى مشترك يتسم بالتركيز والوضوح والعيانية والمطالب الملموسة في المرحلة الراهنة، بحيث يكون قاعدة لإجراء تفاهمات مع القوى والتيارات السياسية خارج البرلمان، وتشكيل ‘حكومة ظل’ وطنية برنامجية، برلمانية وحزبية، تقدم للمجتمع شخصيات مرموقة مقنعة في المناصب الوزارية المعلنة، وتعمّق علاقات التفاهم والشراكة في ما بينها، بحيث تكون جاهزة للحلول محلّ حكومة النسور حال سقوطها. وهو قريب.
العرب اليوم