كانت المعادلة التي سعت الحركة الوطنية، لإرسائها في السياسة الأردنية حول سورية، بسيطة: تجميد الاعتراض الداخلي مقابل الحياد في الأزمة السورية ورفض الكونفدرالية. وخلال السنتين الماضيتين، أثبتت هذه المعادلة فعاليتها، في مفاصل عديدة، وأحبطت تيارات داخلية ومشاريع تدخّلات مؤذية.
الأطروحة التي تكوّنت في مجرى نضالي وحصلت على نوع من الإجماع الوطني هي أن التدخّل الأردني في سورية، سوف ينقل أزمة الفوضى والعنف والإرهاب إلى الأردن، ويمنح الإخوان والسلفيين، فرصة ذهبية للاستيلاء على الحكم في البلاد، في إطار برنامج متفق مع الأميركيين على سياقه، هو إقامة صيغة ديموقراطية إخوانية تستوعب، واقعيا، مخرجات الحل النهائي للقضية الفلسطينية.
حتى خريف 2012، كان الأميركيون ما يزالون يمارسون حملة على النظام الأردني، في سلسلة من الاتصالات الداخلية والتقارير الصحافية، بينما كانت الضغوط القطرية والتركية والسعودية، تتفاعل بقوة، وتواجه خزينة الدولة ما يشبه الإفلاس، ويعاني الاقتصاد مفاعيل أزمة الربيع العربي، وخصوصا الأزمة السورية. وفي مواجهة كل ذلك، معطوفا على التحدي الإخواني الداخلي، قويت شوكة القوى التي تساند الدولة السورية، وتحثّ على البحث عن حلفاء جدد في روسيا والعراق، بديلا عن الارتهان للولايات المتحدة والخليج.
لكن الأحوال بدأت تتغيّر مذ ذاك، أولا بظهور المداخلة الإماراتية المعادية للإخوان ولكن المنخرطة في الحرب على سورية. وهي المقاربة التي جرى تبنيها من قبل السعودية، وتحولت عمان، شيئا فشيئا، نحو الالتحاق الحذر بهذا الخيار. ثم تتالت التطورات من عقد الانتخابات وعَزْل الإخوان ـ الذين تضرروا، جديا، جراء تجربة الحكم الفاشلة في مصر ـ وظهور كتلة نيابية مرتبطة بمصالح خليجية، وتشكّل قوّة ضغط لعملية التجنيس والتوطين، وأخيرا انحسار الحركة الشعبية، وحصول النظام على مباركة أميركية لـ’ الإصلاحات السياسية’ في البلاد، وتعزّز مواقع المجموعة المرتبطة بالأميركيين في موقع القرار. وفي هذا المناخ، سقط الخط الأول للممانعة داخل الدولة، وانتهت مفاعيل معادلة التوافق الداخلي حول الحياد إزاء سوريا.
لكن، بالمقابل، بدأ يتشكّل، للتوّ، تيار عريض يشمل قيادات بيروقراطية تقليدية و قوى يسارية وقومية وعشائرية، لم تتأخر في الإعلان عن مواقف قاطعة مضادة للتدخل في سوريا.
النائب عبدالهادي المجالي، حذّر من السير وراء السياسات الأميركية التي ‘ ستدخلنا في مساحة النار’ السورية، ونبّه إلى أن الأميركيين، يدبرون ‘ أسرار الحل النهائي (للقضية الفلسطينية)، ومفاتيحه، وأظنها كونفدرالية على حساب الأردن وفلسطين’. وطرح المجالي، بديلين، خارجي يتمثل في تنويع ‘ خياراتنا وعلاقاتنا الإقليمية والدولية’، وفقا لـ’مصالحنا’، لا تحت ‘الضغوط’، وداخليا، بقيام ‘حكومة إنقاذ وطني، تضم كل القوى السياسية والرموز الوطنية’.
وشكل خطاب المجالي خطا عاما لبروز معارضة برلمانية ، أدانت قدوم الجنود الأميركيين إلى البلاد، ودعت إلى تأكيد سياسة الحياد نحو سورية. وفي الاتجاه نفسه، دعا مناضلون يساريون وقوميون ومثقفون ومتقاعدون عسكريون ومهنيون إلى عقد مؤتمر وطني، تم الاتفاق على وثيقته السياسية التي اختتمها نداء إلى ‘التصدّي لمؤامرة توريط الأردن في العدوان على سورية، ومؤامرة الكونفدرالية’.
بغض النظر عن الخلافات والاختلافات: النائب المجالي تحدث، أخيرا، باسم الأردنيين.
العرب اليوم