مرة أخرى، بمناسبة مناقشات الثقة بالحكومة، ترتفع أصوات في مجلس النواب، لتعزف على الوتر المشؤوم لحكاية ‘ الحقوق المنقوصة’ للأردنيين من أصل فلسطيني. وهي حكاية بلا مضمون، فلا توجد في الأردن حقوق منقوصة لأي جماعة ديموغرافية أو اتنية أو سياسية، وإنما حقوق منقوصة في التنمية المستدامة في المحافظات، وفي فرص التعليم الجيد والعمل والترقي والحياة الكريمة لملايين المفقَرين المهمشين بغض النظر عن أصولهم. ولا ينال هؤلاء حقوقهم إلا في ظل اقتصاد عادل وعملية تنموية وطنية وديموقراطية اجتماعية. أما المحاصصة بين النخب في المقاعد النيابية والوزارات والمناصب، فهي لن تغيّر في واقع الكادحين شيئا…. وها نحن بإزاء حكومة محاصصة مُنح فيها أردنيون من أصل فلسطيني، نسبة الثلث، فماذا تغيّر بالنسبة للفئات المفقرة منهم، سوى أنها ستنال المزيد من الأعباء المعيشية لصالح الأقلية المتنفذة المثرية والرأسمال المحلي والأجنبي؟
وعلى الرغم مما تنطوي عليه دعوات الحقوق المنقوصة والمحاصصة، من تنكّر لأساسيات القضية الفلسطينية، ومنها الدولة والعودة، فإنه لمما يثير السخرية، تشديد البعض من نواب التجنيس والمحاصصة، على التذكير بأصولهم الفلسطينية في مجلس النواب الأردني؛ فإذا كنتَ، عزيزي النائب المحترم، فلسطينيا إلى هذا الحد، فما الذي تفعله سعادتك تحت قبة برلمانية أردنية؟
الدولة الأردنية هي لجميع مواطنيها؛ ولكن علينا أن نعرف، قبل ذلك، مَن هم، قانونيا وسياسيا، هؤلاء الذين يمكن اعتبارهم مواطنين؟ للأسف، ليس لدينا، حتى الآن، إطار قانوني لتحديد المواطنة، سوى تعليمات فك الارتباط لسنة 1988، وقد هرمنا ونحن نطالب بتضمينها في قانون جديد للجنسية، يضع حدا لكل المشكلات الإدارية والأمنية المتصلة بمسألة الجنسيات، سحبا ومنحا. وإلى أن يحدث ذلك، فليس أمامنا سوى دائرة المتابعة والتفتيش كأداة لتطبيق تلك التعليمات. وهكذا، فإن الهجوم على هذه الدائرة والمطالبة بحلها أو تجميد عملها، لا يعدو كونه فتح باب التجنيس واستيعاب الهجرة الناعمة من الأراضي المحتلة. وهو ما يقع في باب خيانة فلسطين والأردن معا.
وعلى رغم وجود الدائرة ونشاطها، فإن عشرات آلاف الجنسيات جرى صرفها خلافا للتعليمات، بالنفوذ أو بالرشى. وتتجه الحكومة الحالية، إلى التوسع في التجنيس، مع وجود وزير داخلية متعاون إلى حد التهاون، ومع لجنة وزارية تبت بالتجنيس، تضم في عضويتها دعاة علنيين للتجنيس والتوطين والمحاصصة. وهو ما يتطلب تشكيل جبهة وطنية لمجابهة هذه المؤامرة.
إن تزايد الضغوط في هذا الاتجاه البالغ الخطورة، وطرح مطالب التوطين السياسي بهذه الجرأة، حتى لا نقول الوقاحة، سوف يؤدي إلى ردة فعل لا تُحمد عُقباها، وربما تطرح مسألة المواطنة كلها من منظور سياسي لا حقوقي. وعندها سنكون، جميعا، في مواجهة استحقاق صعب للغاية.
في التراث الأردني، تقليد يُسمّى ‘الحد المقبول’. وهو تقليد ينطوي على أولوية التسامح والتنازلات لتلافي الصدامات. لكن، حالما تتجاوز التعديات ‘ الحد المقبول’، يقع الاستنفار والانشداد إلى الرد القاطع. ولعلّ المطلوب، اليوم، من العقلاء أن ينهوا السفهاء عن تجاوز الحد، لئلا يقع الرد.
وربما يكون تجاوز الحد المقبول ناجما عن اقتراب تنفيذ المشروع الكونفدرالي. وهذا من الأوهام؛ فالوطنية الأردنية، كما الفلسطينية، ليستا في وارد تقديم خدمة العمر للعدوّ الصهيوني، أي تصفية القضية الفلسطينية والكيان الأردني معا، واخضاع الفلسطينيين والأردنيين للهيمنة الإسرائيلية.
ولا يخلطنّ أحد بين المشروع الكونفدرالي والمشروع الوحدوي؛ فالوحدة القومية ليست ثنائية، وإنما خماسية مع سورية والعراق ولبنان، وفي سياق مجابهة الصهيونية، وليس في سياق الخضوع لمتطلباتها.أما ذلك الصوت المتشرّب عقيدة المحافظين الجدد في الولايات المتحدة، والمؤمن بأن الوطنية والقومية هي من الماضي، فمن المضحك أنه يطالب باستئنافه، أي ذلك الماضي، عندما يتعلق الأمر بالتجنيس لأنه … ‘من جيل الضفتين’ ، ولعله يأمل بأن يختم حياته في كونفدرالية ثلاثيّة!
*تم ايقاف التعليقات بناءً على طلب الكاتب