هل يسعى وزير الخارجية، ناصر جودة، في تصريحاته العدائية حول سورية، إلى جر الموقف الأردني إلى شيء يشبه الموقف القَطري، ويفسر، لحسابه، مواقف الملك ورئيس الوزراء، أم أن السياسة الأردنية الرمادية في الأزمة السورية، تنقلب نحو الأسود؟
في السياسة، تابعنا مواقف الملك عبدالله الثاني المتكررة والتي أهملت، كليا، القبول ب ‘ائتلاف الدوحة’ بوصفه ‘ الممثل الشرعي والوحيد للشعب السوري’؛ فقد تجاهل الملك، الحاح ضيفه الرئيس الأميركي، باراك أوباما، على استنطاقه تصريحا يشير إلى تنحّي الرئيس بشار الأسد، وأكّد في قمة الدوحة على حل سلمي يشمل جميع الأطراف. وهذه المواقف، تتناقض، كليا، مع اعتبار طرف سوري واحد، ‘ ممثلا شرعيا وحيدا’ للشعب السوري.
لكن الوزير يكاد يصرح بأن الموقف الأردني هو شيء آخر. يقول: ‘حينما شارك الأردن في قمة عربية، يجلس على مقعد سورية ممثل الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، لم يتحفظ الأردن على القرارات، أو رفضها، فالأردن موقفه منسجم مع الغالبية العربية’. أي.. يعني مع الغالبية القًطرية!… متناسيا ما غدا معروفا من أن الملك كان آخر القادمين إلى القمة وأول من غادرها، منزعجا من الهيمنة القطرية، و مستاء جدا من قيام القَطريين بفرض جماعتهم ليشغلوا مقعد سورية في القمة العربية.
يعلن الوزير مقاطعة دمشق للضغط على الرئيس بشار الأسد.. من أجل ماذا؟ ليتنحى؟ فماذا عن صديقنا فلادمير بوتين ، وهو القائل، صراحة، إن من يريد اسقاط الأسد، فليسقطني أولا في الكرملين؟ وماذا عن دول البركس وإيران وحزب الله، وماذا ـ من قبل ومن بعد ـ عن الجيش العربي السوري القوي المتماسك الذي تزوّده روسيا بالسلاح بلا حساب؟
يتحدث الوزير عن المقاطعة، لكن أتضبط ‘معادلة’ تقديم المساعدات للسوريين داخل سورية من دون اتصالات وتفاهمات وتنسيق مع دمشق؛ بغير ذلك، نحن أمام تحدي التدخل العسكري وعواقبه.
الاعتراف ب’ائتلاف الدوحة’ يعني، بالضبط، إلغاء امكانية الحل السلمي التفاوضي. تفاوض كيف ومع من؟ بينما ‘ الائتلاف’ يمثل، وحده، الشعب السوري، أي كل السوريين، بمن فيهم الملايين من مؤيدي النظام والمعارضة الوطنية. إنه، بالأحرى، إعلان حرب. وقد كان وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، واضحا حين أعلن أن قرارات الدوحة أنهت اتفاقية جنيف للحل السلمي في سورية.
نحن، إذاً، بصدد الحرب.
صمت الوزير عن تدريب المقاتلين السوريين في الأردن، صمتا يفتح الباب أمام احتمالات قيام خرق صريح لسيادة بلد عربي يتعرض لحرب من قبل قوى سوداء دولية وإقليمية وإرهابية. وفي وسط هذه الحرب المشتعلة منذ سنتين، ما يزال هناك من يعتقد أن بضعة آلاف من المقاتلين الموالين للسي آي إيه، سوف يتمكنون من حماية مناطق انسانية داخل سورية والتصدي للنظام ولجبهة النصرة في آن واحد! هؤلاء السوبرمانات لن يغيروا شيئا في المعادلة، ولكنهم سيلحقون الأذى بسمعة الأردن وينخرطون، فعليا، في خندق جبهة النصرة، ومن ثم يكون علينا أن نجاورها ونمالحها!
ومن دون أرقام ولا معطيات، ينفي الوزير عملية تدفق لاجئين فلسطينيين من سورية إلى الأردن. فهل يمزح؟ مع هذه التدفقات المرحَّب بها خارج المنافذ الحدودية الرسمية، وللاجئين من دون وثائق أو بوثائق مزوّرة، هل يمكن ضبط هذه العملية؟
نجحت السياسة الأردنية الرمادية الطابع حيال الأزمة السورية، ليس فقط في تلافي الغرق الأردني في المستنقع القَطري في سورية، بل وفي تحسين صورة الأردن، والنظر إليه كدولة مستقلة ذات سياسات متزنة.. فلماذا يغضب الوزير من الرمادي؟ الرمادي أفضل من الأسود!
العرب اليوم