يحاول البعض، تجميل صورة حكومة عبدالله النسور، بالقول إنها حكومة تكنوقراط! وهذا مضحك حقا، طالما أن هذه الحكومة لم تراع أبسط القواعد التكنوقراطية في الإدارة ، وهي التخصص في المجال المعني، فحمّلت الوزراء، 10 حقائب إضافية فوق حقائبهم، مما يعني تعطيل القيادة في وزارات مهمة كالزراعة والسياحة والاتصالات والتموين الخ .
ووقع هذا الإجراء غير العقلاني جراء دافع سياسي صغير هو التلويح للنواب بشغل تلك الحقائب لاحقا، ما يضمن ولاء المجلس النيابي للحكومة. وهذه مجرد حيلة لا تنتمي إلى فن السياسة، بل إلى أساليب ‘الشطارة’.
غير أن التكنوقراط ،على فرض أنهم متوفرون بكثرة في حكومة النسور، ليسوا، في النهاية، سوى منفذين للسياسات. والسياسات هي لب المشكلة.
يلح النسور نفسه على أن حكومته ‘نظيفة’ وستحدث فرقا نوعيا في الأداء. ونحن لا نتهمها، ولكننا نعيد وضع النقاط على الحروف؛ فقضيتنا مع الحكومات ـ التي طالما اشتملت على أعضاء لا غبار عليهم ـ هي في السياسات غير النظيفة، السياسات المنتجة للفساد والعجز المالي والتخلف التنموي والفقر والبطالة والتهميش. وتتمثل في مجالين رئيسيين، هما:
أولا، فوضى السياسة المالية. وهي أساس الفساد والعجز والمديونية والحاجة التي لا تتوقف للإعالة الخارجية التي ندفع ثمنها من كرامة البلد وأمنه الوطني. إن سياسة الإنفاق العشوائي ـ خارج الانضباط المالي والحسابات الإكتوارية والخطة التنموية الوطنية ـ ما تزال هي المسيطرة والمقررة. وينجم عن هذه السياسة، تلقائيا، سياسة عشوائية في هدر الموارد و الاقتراض والبحث عن المساعدات.
وأول خطوات التحرر من سياسات الفوضى المالية هي التخلّص من وزارة التخطيط التي تمثّل، بغض النظر عن الوزير ـ أداة رئيسية لتلك السياسات.
وثاني هذه الخطوات هو تصميم واعتماد خطة تنموية وطنية تهدف إلى تحقيق تراكم في توليف الاقتصاد الداخلي مع الميزات المحلية والاحتياجات الاقتصادية والاجتماعية.
وتتمثل الخطوة الثالثة، في إنشاء صندوق سيادي يضبط المالية العامة ـ مثلما يفعل البنك المركزي مع السياسة النقدية ـ فيقرر، وفق معايير مضبوطة، (1) لمَ ننفق وكيف ولأي غرض ؟(2) ولمَ نخصخص وكيف ولأي غرض (3) ولمَ نقترض وكيف ولأي غرض، ولمَ نقبل هذه المنحة أو تلك وفقا للجدوى، ووفقا لتكاليفها الإكتوراية أي حساب تكاليفها البعيدة المدى.
ولا ينبغي للصندوق المقترَح، حسب، التيقن من دراسة جدوى كل مشروع على حدة ، ولكن دراسة جدوى المشاريع المعتمدة ككل، من وجهة نظر الخطة التنموية الوطنية وأهدافها. وحين يتم ضبط المالية العامة على هذا النحو، سوف تضيق مجالات الفساد، وينخفض سقفه، والأهم أنه سينشأ سياق يكفل التخلص التدريجي من الحاجة للمساعدات الخارجية والاقتراض، شيئا فشيئا.
ثانيا، غياب الرؤية التنموية؛ فلا يمكن أن تظل شؤون البلد الاقتصادية الاجتماعية، تُسيّر بالقطعة وأولا بأوّل، خارج خطة تنموية تتمتع بثلاثة عناصر هي (1) المراكمة في مجال التوصل إلى حل جذري لمشكلة الطاقة التي ترهق فاتورتها الدولة والاقتصاد والمواطنين، (2) وتكثيف الاستثمارات الصغيرة والمتوسطة والتعاونية في المحافظات، وفي سياق قطاع انتاجي تنافسي ممكن، داخليا وخارجيا، مثل انتاج الحليب ومشتقاته واللحوم الحمراء والبيضاء، وتصنيعها، (3) والعودة إلى دعم الصناعة الوطنية وفق برنامج تنافسي داخلي يحظى بالرعاية وخفض المخاطر والحماية الجمركية .
العرب اليوم