ما يثير حيرة الجميع أن المواقف الأردنية إزاء الأزمة السورية، لا يمكن تلخيصها في جملة مفيدة؛ لدينا، في الحقيقة، سياسات تحاول التعامل مع جميع الأطراف، لكن هناك، وسط المشهد المربك، موقف الدولة الأردنية العميقة. وهو موقف مضاد للسياسات الأميركية والخليجية نحو سورية. وقد يسطّح البعض، دولتنا العميقة، وكأنها المخابرات! في انكار لما يمكن أن نعتبره الذاتية الوطنية للدولة العميقة التي تضم عناصر بيروقراطية وقيادات اجتماعية وصنّاع رأي عام وشبكات سياسية غير منظورة، ولكنها فاعلة.
في جلسة ‘النواب’ المخصصة للبحث في تداعيات أزمة تفاقم أعداد اللاجئين السوريين إلى البلاد، ظهر تيار واسع، هاجم ‘مهزلة’ قمة الدوحة، التي جاءت ب’ زلمة أميركا’ ليحتل ‘مقعد الدولة السورية’، وعلى قطر التي ‘ تموّل تدمير سوريا’، عندها، وفي عزّ التصعيد النيابي المطالب بمعالجة مخاطر اللجوء السوري، فاجأ أحد نوّاب تيار التوطين والمحاصصة، المجلسَ، بخطاب تصعيدي، خارج موضوع الجلسة، يطالب ببحث قضية الوضع القانوني لأزواج وأبناء الأردنيات …الخ ، ما أثار على الفور، مشادات وفوضى وانسحابات، كان واضحا أن القصد منها هو ما يسميه الأرادنة ب ‘ تخنيث الهرج’، وتاليا تخريب الجلسة البالغة الأهمية.
لم يسجّل الوفد الأردني في قمة الدوحة، اعتراضا رسميا على الاعتراف ب’ الائتلاف’، ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب السوري، لكن الملك عبدالله الثاني، تعجل مغادرة العاصمة القَطرية، وتجاهل، في كلمته، وفد معاذ الخطيب واتجاهات القمة، ليؤكد على مخاطر تفاقم الأزمة السورية على الإقليم، ويدعو إلى ‘ حل سياسي سلمي بمشاركة جميع الأطراف’، أي حل بمشاركة النظام السوري، في تطابق واضح مع الموقف الروسيّ. وكان الملك الأردني قد أكّد الموقف نفسه، في المؤتمر الصحفي المشترك مع الرئيس الأميركي، باراك أوباما، لدى زيارة الأخير إلى عمان، يوم الجمعة الماضي.
في مجلس النوّاب، في اليوم التالي للقمة، كان يمكن للدولة الأردنية العميقة أن تعرب عن غضبها إزاء’ مهزلة الدوحة’. وليس من دون معنى أن رئيسي مجلس النواب االسابقين، عبدالهادي المجالي و عبدالكريم الدغمي، هما اللذان قادا جلسة الغضب التي شهدت هجمة الدغمي على قطر والدول المموّلة للحرب على سوريا و’الائتلاف’ التابع لأميركا التي ‘ستحصل على الغُنم، بينما يحصل الأردن على الغُرم’ من تداعيات الأزمة السورية.
لم يأت أي من النواب على ذكر التعاون الأردني ـ الأميركي في تدريب المنشقين السوريين. و رغم أن هذا الخبر، أصبح متداولا في الصحافة العالمية، إلا أن المسؤولين الأردنيين يحيطونه بالكتمان الشديد، وينكرونه كليا، مما يثير العديد من التكهنات في تفسير التناقض في السياسات الأردنية نحو سوريا.
الإخوان المسلمون الذين رحّبوا ‘ بتبوء الشيخ احمد معاذ الخطيب، المقعد السوري في القمة العربية، وطالبوا بتسليم السفارات السورية لممثلي الائتلاف الوطني’، تجاهلوا مطالبة الخطيب بالتدخل العسكري الأميركي ضد بلاده، لكنهم، بالمقابل، اتهموا السلطات الأردنية، بتدريب منشقين سوريين وتجنيد عناصر من اللاجئين والفصائل المسلحة، بهدف ‘ التأثير على مسار الثورة السورية’.
سأكون سعيدا إذا صدق الإخوان، فهذا معناه أن الدولة الأردنية العميقة تعمل. لكنه سؤال من بين أسئلة معلّقة عديدة عن طبيعة التفاهمات الأردنية ـ الأميركية، وتقاطعها مع التفاهمات الأردنية ـ الروسية؟ أيلعب الأردن ـ الرافض، حتما، للسياسات القَطرية التركية الإخوانية ـ دورا متشابك المصالح والأهداف؟
للأردن مصلحة أكيدة في حل بمشاركة النظام السوري، يكفل عدم أسلمة أو تقسيم البلد الجار أو تحوّله حصنا إرهابيا أو مصدرا للجوء الدائم. وهذا هو جوهر التوجه السياسي للدولة الأردنية العميقة؛ فهل تنجح في الدفاع عنه؟
العرب اليوم