يشكل مشروع قانون ضريبة الدخل للعام 2013، خطوة متقدمة على سابقه، من حيث أنه يسعى للتلاؤم مع مبدأ التصاعدية الدستوري، وتحصيل حقوق الدولة من القطاعات الأكثر ربحية والأقل مغامرة، أي قطاعات المال والتعدين والاتصالات، بنسب تصل إلى 40 بالمائة. وهي نسبة ما تزال، في رأينا، دون المطلوب، وهو: 50 بالمائة للتعدين و45 بالمائة للاتصالات والبنوك والشركات المالية، على أن يتم إعفاؤها بما لا يزيد عن 10 بالمائة للأولى و5 بالمائة للثانية، إذا تم إنفاق المبالغ المعفاة على دعم البحث العلمي التقني والقروض الصغيرة والمجتمعات المحلية.
منظور استخدام ضريبة الدخل كأداة تنموية واجتماعية شبه وحيدة في ظل اقتصاد السوق، ظل غائبا عن نصوص مشروع القانون وروحه؛
فأولا، رتّب مشروع القانون على المكلّف ، ضريبة متصاعدة من 5 بالمائة إلى 25 بالمائة عن كل 10 آلاف دينار متتالية من الدخل الفردي، تنتهي عند مبلغ 50ألفا، حين تصبح الضريبة 30 بالمائة. وهذا الترتيب ليس عادلا ولا تنمويا. وهو ليس عادلا لأنه يساوي بين أصحاب الدخل عند 50 ألف دينار سنويا ـ ويشكلون الشريحة المتوسطة من الطبقة الوسطى ـ وبين أصحاب الدخل بالملايين ممن ينتمون إلى طبقة الأثرياء. وهو ليس تنمويا لأنه يعرقل شرائح ال50 ألفا عن الادخار والاستثمار، كما عن الوفاء بالالتزامات الاجتماعية المعهودة لدى الطبقة الوسطى.
والتصاعدية التنموية والاجتماعية في الضريبة على الأفراد، ينبغي أن تلحظ إعفاء أول 25 ألفا بالكامل، والتدرج من 10 بالمائة على الخمسين ألفا التالية إلى 40 بالمائة على ما يزيد عن ربع مليون دينار. ومن شأن هذا التدرّج تدعيم الفئات الوسطى وزيادة حيويتها الاستثمارية والاجتماعية وتحصيل حقوق الخزينة من الأثرياء. وهذه الضريبة، بالمناسبة، ليست حلا اشتراكيا، إذ تصل الضريبة على الدخل الفردي في الولايات المتحدة إلى 43 بالمائة عند شريحة الدخل البالغة حوالي 225 ألف دينار،
وثانيا، أعفى مشروع القانون، الأرباح المتأتية عن اتجار الأفراد بالأوراق المالية والعقارات. وهذه محاباة لأكثر الأعمال ربحية وأقلها انتاجية وعملا. وهي تمثل تشجيعا على النشاطات غير المنتجة وتكوين الثروات السهلة، ولا بد من إخضاعها للضريبة على الدخل، بما يحفظ حق الخزينة، وبما يدفع المستثمرين إلى تنشيط المؤسسات المتوسطة والصغيرة.
ثالثا، أعفى مشروع القانون، الورثة من أي ضريبة على التركات، وهو ما يدعم آليات التشكل الطبقي الوراثي غير المستند إلى الجهد، وتركّز الثروات العائلية على حساب تحجر الحيوية الاجتماعية،
رابعا، أعفى مشروع القانون الأرباح الرأسمالية من الضريبة، مع أن الأرباح الرأسمالية كالزيادة في أسعار العقارات وسواها من الأموال غير المنقولة، لا تهبط من السماء وإنما تحدث نتيجة الإنفاق العام،
خامسا، أعفى مشروع القانون المستثمر الأجنبي من الضريبة على الأرباح وقيم الأصول المحوّلة إلى الخارج بحجة ‘تشجيع الاستثمار’، أي، في الواقع، تشجيع النهب،
سادسا، أعفى مشروع القانون، أول 100ألف دينار من أرباح الشركات الزراعية وشركات الانتاج الحيواني. وهو ما لا يشكل دعما للزراعة، وإنما لرسملتها وإخضاعها للرأسماليين الذين يستنزفون موارد الأرض والمياه، المتاحة لزراعة تصديرية تزيد في ثرائهم ولا تسهم في الأمن الغذائي أو حتى تشغيل الأردنيين، كذلك، فإنه من المستغرب مكافئة شركات تربية الماشية والطيور، على قيامها بتدمير نظام الانتاج الحيواني التقليدي في البلاد،
سابعا، لم يلتفت مشروع القانون إلى دعم الصناعة ، وهي عماد التنمية الحقيقية والمشغّل الرئيسي للأيدي العاملة. ولعله من الضروري التأكيد على قدرة النظام الضريبي على تطوير الصناعة من خلال إعفاء الشركات الصناعية ـ غير التعدينية ـ والتي تزيد نسبة القيمة المحلية المضافة في سلعها عن 60 بالمائة والمشغلة للعمالة الأردنية، من ضريبة الدخل، بل وتقديم دعم لصناعة ‘السلع الترسملية ‘، أي تصنيع وسائل الانتاج الصناعية. ولنا عودة.
العرب اليوم