لم يعد بالإمكان تجاهل التقارير الصحافية المتتالية عن إقامة معسكرات تدريب لمقاتلي الجيش الحر في الأردن. آخر هذه التقارير، وأدقها، في مجلة ‘ دير شبيغل’ الألمانية الواسعة الاطلاع والمعروفة بصدقيتها. وتتحدث ‘ دير شبيغل’ عن برامج تدريبية أميركية لحوالي 1200 من مقاتلي المعارضة السورية في المملكة.
التدريبات نوعية، وهدفها تمكين مقاتلي المعارضة من تقنيات الأسلحة المضادة للدروع. وهناك اعتقاد لدى الدوائر الأميركية، وأخشى أنه انتقل إلى الدوائر الأردنية، بأن تمكين مقاتلي المعارضة السورية من التدريبات الحديثة والأسلحة النوعية، سوف يحسم الموقف في سوريا، وينهي الحرب. لكننا نعرف جيدا أن ذلك الهدف غير قابل للإنجاز؛ فالتفوّق العسكري للجيش العربي السوري مضمون بتماسكه وبتدفق السلاح بلا حدود، كما ونوعا، من حلفائه، وبخضوع عشرات الآلاف من ضباطه وجنوده لتدريبات حديثة في قتال العصابات المسلحة. وحتى لو تمكنت جماعات المعارضة من اسقاط النظام ـ وهذا مستبعد في المدى المنظور ـ فإن سقوطه لن يوقف القتال في سورية، وإنما ينقله من قتال بين الدولة والمعارضين إلى قتال دام بين فريقين. وبالمحصلة، فإن تورّط الأردن في تدريب وتسليح مقاتلي المعارضة السورية، من شأنه، فقط، أن يديم الحرب في البلد الشقيق الجار، ويفاقم الخراب والموت واللاجئين.
تجري التدريبات الأميركية للمسلحين السوريين، على أساس مقاربة سياسية هي بناء قوات معادية للنظام السوري، ولكنها مأمونة الجانب ومنفصلة عن ‘جبهة النصرة’ الإرهابية والعناصر السلفية الجهادية في التمرد السوري. وهذه المقاربة، ساذجة كليا؛ ذلك لأن بضعة مئات، أو حتى بضعة آلاف من المقاتلين المرتبطين بالاستخبارات الأميركية، لن يغيّروا، الآن، ميزان القوى في الميدان. ومن الناحية السياسية، ليست قوة الجماعات المسلحة بمقاتليها، وإلا لكان الجيش السوري قضى عليها منذ وقت طويل؛ إنما تنبع قوتها من الحواضن الاجتماعية التي تعطيها الملاذ والدعم والرجال. وهذه الحواضن محفوزة بالتحشيد الديني المذهبي. وفي هذا المجال ، لن يباري أحدٌ السلفيين الجهاديين. ولا حتى الإخوان المسلمون.
هذا بالنسبة لسورية، أما بالنسبة للأردن ، فيخجلني جدا أن يتخلى بلدنا عن سيادته ويسمح بمعسكرات تدريب أميركية على أرضه ضد بلد شقيق، ويؤلمني أكثر أن المكانة الإقليمية والدولية التي حققها الأردن، جراء موقفه المتوازن من الأزمة السورية ، سوف تنهار ، كما ستنهار مصالحه الاستراتيجية مع سورية والعراق وروسيا، ويظل أسيرا للقيود الأميركية ـ الخليجية.
ثم ماذا إذا نجحت الجهود الأميركية التي يتورط فيها بلدنا الآن، في اسقاط النظام السوري؟ إنه نجاح مضاد لمصالح الدولة الأردنية التي ستواجه، عندها، مخاطر صعود وانفلات قوة المشروع الإخواني وجماعات السلفية الجهادية. إنه أشبه بالانتحار، بل هو الانتحار بعينه. وعلى كل الوطنيين الأردنيين المخلصين أن يمنعوا دولتهم من الإقدام على سياسات انتحارية