حقق الأردن، خلال الفترة الماضية، استعادة الاستقرار الداخلي ـ ولو هشا ـ بفضل نوع من الاجماع الوطني على تلافي مخاطر التغيير الدراماتيكي والذهاب نحو اصلاحات متدرجة. وكان هذا الإنجاز قاعدة لاستعادة البلاد مكانتها على المستويين الإقليمي والدولي، وذلك ـ تحديدا ـ بفضل الموقف المحايد المتزن من الأزمة السورية، ما فتح الخطوط بين عمان وبغداد، وأرسى أرضية صلبة لتطوير العلاقات الأردنية الروسية، بكل ما تنطوي عليه من إمكانات.
كل ذلك، أصبح الآن مهددا، أولا، لأن الهدنة من أجل انجاز تغييرات سلمية متوافق عليها في المجال الاقتصادي الاجتماعي وتصفية ملفات الفساد والخصخصة وإحداث قفزة تنموية في الريف، تكاد تنتهي مع مؤشرات بالغة الخطورة، أهمها استمرار سيطرة عقلية الليبراليين الجدد، سواء في تصميم خطط الإنفاق التي لا تأخذ الجدوى و الأولويات والحسابات الاكتوارية بعين الاعتبار، أم في التعامل مع الأزمة المالية بشروط صندوق النقد الدولي. وكلاهما جربناه على مدى عقدين وانتهينا إلى أزمات شاملة وملفات فساد وضياع البوصلة والمزيد من الإفقار والتهميش لقطاعات اجتماعية متزايدة من شعبنا، وخصوصا في المحافظات.
ومع هكذا مجلس نيابي، يمثّل أسوأ ما في بلدنا ومجتمعنا من أوساط وعقليات، ومع هكذا نخب غرائزية، فردية، بريئة من الثقافة والتسييس، فإن ما تحقق من استقرار سياسي هش، سوف يتلاشى، وسوف تدخل البلاد، عما قريب، في سلسلة من الانفجارات الاجتماعية المتتالية، تصب في النهاية، بالنظر إلى غياب القيادات والبرامج، في مأزق سياسي وطني ربما لا يكون استيعابه ممكنا.
على المستوى الخارجي، نعيش، اليوم، خطر الخضوع للضغوط الأمريكية ـ الخليجية، والتخلي، تاليا، عن الموقف المحايد من الأزمة السورية، نحو لعب دور تدخلي عدائي في سورية ـ وفق نظرية وزير الخارجية الأمريكية ، جون كيري ـ في تسليح جماعات المعارضة السورية ‘ المعتدلة’، لضمان ‘ انتصارها’ على النظام. وهو ما يحقق، في رأي الوزير ـ وقف العنف وتأمين الحل السياسي.
هذه النظرية ساذجة للغاية أو أنها مجرد كذبة لتبرير تسليح الإرهابيين وإدامة الحرب في سورية، وتمزيقها؛ فالكل يعلم أن السيطرة الميدانية في صفوف الجماعات المسلحة السورية هي لجبهة النصرة الإرهابية، المتحالفة مع التنظيم السوري الثاني من حيث التماسك والقدرة، أي الإخوان المسلمين؛ فهل هناك ما يضمن عدم وصول السلاح إلى ‘ النصرة’؟ وهل نسلح الإرهابيين ونحاربهم في آن؟ و هل الإخوان المسلمون السوريون معتدلون؟ وهل يمكن تسليحهم في سورية وتهميشهم في الأردن؟ وهل يمكن الولوج في هذا المستنقع من دون أن ترتد مياهه الآسنة على الأمن الوطني الأردني؟
ثم، هل عاد عاقل يتصور، بعد سنتين ضاريتين من الفشل المتكرر للحرب الخليجية التركية الإخوانية الإرهابية المدعومة غربيا، ضد النظام السوري، أنه يمكن تحقيق انتصار عسكري حاسم سريع على ذلك النظام، بمجرد زيادة تسليح مليشيات الإخوان والإرهابيين والتنسيقيات؟ وصفة كيري هي وصفة لاستمرار الحرب إلى ما لا نهاية، وتوريطنا إلى ما لا نهاية، أو تقسيم سورية؛ فالنظام السوري ليس قبعة حكم يمكن الإطاحة بها، بل هو يعبر عن قوى اجتماعية سياسية عسكرية هي الأقوى في سورية، وهي مستعدة للقتال، سنوات.
إذا تورّطنا، فإننا نغامر بما حققته الدولة الأردنية من تقدير لمواقفها المحايدة، وسوف نخسر إمكانات العلاقة الخصبة مع العراق وروسيا، وسوف تتحول الأزمة السورية إلى عامل داخلي يتقاطع مع عامل التوطين وعامل الإفقار، لتفجير الموقف كله. حذار.
العرب اليوم