فيما يتصل بالانتخابات والحراك، هناك بضعة مسائل أشعر أنه يتوجب عليّ توضيحها:أولا، لم تكن لدي أي أوهام حول حملات و نتائج انتخابات 2013، وقد أعلنتُ ذلك مرارا وتكرارا، لكنني كتبت وعملت من أجل انجاحها في مرحلتي التسجيل والانتخاب، وليس في ذهني، إطلاقا، أنها ستؤدي إلى ولادة نخبة سياسية وطنية فعالة، ولا أنها ستكون محطة للتغيير الديمقراطي؛ إنما كان إجراء الانتخابات ونجاحها مطلبا وطنيا في مواجهة تحديات إقليمية ودولية صعبة للغاية شكلت خطرا على الكيان الأردني نفسه. وبصورة خاصة، رأيت في هزيمة مشروع الإخوان المسلمين، لا شأنا محليا، بل هزيمة للمشروع القَطري التركي في الأردن.
على هذه الخلفية، فإنني ما أزال أنظر إلى نجاح العملية الانتخابية كمكسب وطني. وأتمنى أن ينظر جميع الوطنيين الأردنيين إليها من منظار جيوسياسي أولا.
ثانيا، على الرغم من مستوى التشكيلة النيابية وهشاشتها، ما زلت أؤيد حكومة برلمانية على أن تضم أوسع طيف سياسي ممكن. وهي الوسيلة الوحيدة لإقامة ندوة حوار وطني دائمة في الدوار الرابع. إن تجاهل أي من مكونات الحياة السياسية الأردنية، غير الممثلة في البرلمان بصورة ملائمة، وأعني (1) البيروقراطية التقليدية، المدنية والعسكرية، (2) التيار الإسلامي الوطني (3) اليسار والحراك الشعبي، سيؤدي إلى نشوء حكومة ضعيفة. وهي ـ وإن تكن برلمانية ـ فهي لن تستطيع إدارة الحكم باستبعاد القوى الثلاث المار ذكرها.
ثالثا، نحن نقترب من تجاوز المخاطر الإقليمية والدولية التي ظلت محدقة، في العامين السابقين، بالدولة الأردنية؛ فعلى المستوى الإقليمي يتشكل محور جديد من الدول الرافضة للمشروع القَطري التركي، ويتعرض حكم الإخوان المسلمين في مصر وتونس إلى ضغوط شعبية متزايدة قد تطيح به، وعلى المستوى الدولي تقترب الأزمة السورية من حلها سلميا وتوافقيا. وهو ما يمنح الحراك الشعبي الأردني الآن فرصة لتجديد ذاته وحضوره. إلا أن ذلك يقتضي من الحراكيين التعلم من أخطائهم، خصوصا ما أضر منها بالحراك من تفتت وتشرذم وتطرف وانزياح عن المطالب الشعبية ورفض للتعاون والتنسيق السياسي على المستوى البيني أو على المستوى الوطني.
لا تزال أهداف الحراك الأردني ماثلة. وهي ليست أهدافا اختيارية أو انتقائية، بل تعبّر عن ضرورات وطنية لا مناص منها؛ فصيانة الدولة الأردنية على المدى المنظور تتطلب تجديدها في كل المجالات، إنما هناك ثلاثة أهداف تفرض نفسها موضوعيا هي (1) تحصين الكيان الوطني من التجنيس السياسي والكونفدرالية، ما يتطلب إقرار قانون جديد للجنسية الأردنية واتخاذ الاجراءات القانونية والسياسية التي تمنع الانزلاق نحو الكونفدرالية. إن معالجة هذا الملف بالذات، من شأنها أن تغلق الثغرة الرئيسية في جدار وحدة الشعب والدولة في البلاد.(2) استئصال مؤسسة الفساد والهدر واللامساواة ، ليس فقط من خلال المحاكمات الشاملة والمتزامنة للملفات القديمة، وإنما، أيضا، من خلال منع تكوّن ملفات جديدة، كما هو الحال في برامج المساعدات الخليجية للعام 2013، (3) الشروع في برنامج شامل وجدي لتنمية المحافظات وتوفير فرص العمل والاستثمار الصغير فيها وإعادة ربطها بالاقتصاد الوطني وتحسين مستوى حياتها، ليس فقط من أجل العدالة، ولكن، أيضا، من أجل الحيلولة دون تفكك الدولة ونشوء حواضن للتطرف بكل أشكاله.
إن تحقيق هذه الأهداف مجتمعة، سيؤدي إلى بناء الأرضية الصلبة لحل مشكلة الخلاف المستعصي حول النظام الانتخابي، وتحسين نوعية الانتخابات ومخرجاتها وتطوير الدولة المدنية الديمقراطية.
ليس في وسع البرلمان الحالي النهوض بأي من هذه المهمات الأساسية، ولذلك، تبقى هذه ملقاة على عاتق الحراك.
العرب اليوم