بدا وزير الخارجية، ناصر جودة، شديد التوتر أثناء إلقاء كلمة الأردن في اجتماع وزراء الخارجية العرب، الأحد الماضي، في القاهرة. كان الاجتماع مخصصا للبحث في الملف الإنساني للاجئين السوريين، إلا أن جودة توقف، عدة مرات، للإعلان عن مواقف سياسية معادية لنظام الرئيس بشار الأسد ومؤيدة للمعارضة المسلحة ـ علما بأن جبهة النصرة الإرهابية هي جزء لا يتجزأ منها ـ.أكثر جودة من الاقتباسات المجتزأة من حديث صحفي للملك عبدالله الثاني. وهي وسيلة دفاعية لتبرير موقف الوزير. وعندما عدتُ إلى نص الحديث الملكي، لم أجد فيه تغييرا في موقف الأردن المحايد إزاء الأزمة السورية. وتبين لي أن جودة انتزع جملا من سياقها لتظهير موقف لا يتطابق مع سياسة الدولة الأردنية وأجهزتها. وقد توّج كل ذلك بلقاء حار مع رئيس ائتلاف الثورة السورية الذي ترعاه قطر، معاذ الخطيب.
لقد أصبح معروفا تماما أن عمان على خلاف جوهري مع ائتلاف الخطيب لسببين أولهما تبعيته للحلف القَطري التركي المصري المناوئ للأردن، وثانيهما ضلوعه في التنسيق مع الجماعات الإرهابية التي تُعتَبر مطاردتها في صلب العقيدة الأمنية للأجهزة الأردنية.
مواقف جودة لا تعكس جوهر السياسة التي تتبناها الدولة الأردنية حيال الأزمة السورية. وتقوم هذه السياسة على رفض التدخل الخارجي ورفض الإرهاب والسعي إلى تسوية سلمية. وهذه كلها تتعارض مع مواقف المعارضة المسلحة وحماتها الأتراك والقَطريين. وقد أصبح واضحا للقاصي والداني أن سقوط النظام السوري في أيدي الجماعات الإخوانية والسلفية المسلحة يهدد مصالح الأردن وأمنه.
السؤال الآن هو عما إذا كان موكولا لجودة، تمرير تصريحات للاستهلاك. إذا كان الأمر كذلك، فهو خطأ كبير بحق صدقية السياسة الأردنية،يشل قدرتها على تكوين حلفاء، وبصورة خاصة تعزيز العلاقات مع العراق.
أغلب الظن أن جودة يفيد من هامش المناورة الدبلوماسية المتاح له، لكي يوسّع ويعمّق مواقف خاصة به إزاء الأزمة السورية. وهذا المسلك السياسي ليس فريدا، فالسفير الأميركي روبرت فورد ( سفير واشنطن المستنكف لدى دمشق والمسؤول عن الملف السوري) هو الآخر، يشتط في مواقفه ضد النظام السوري، ويحرّض ضده، بأكثر كثيرا مما تريد إدارة الرئيس باراك أوباما. وربما يدفع فورد، الثمن، قريبا حين يصطدم، في الشأن السوري، بوزير الخارجية الأميركية الجديد، الحمائمي جون كيري.
أختم بأنني لا اقصد جودة شخصيا. فالرجل، كما تقول المعلومات، ربما يغادرنا قريبا لشغل منصب دولي، لكنني أؤكد أن أحد أهم عناوين التغيير السياسي في بلدنا يتمثل في ضرورة خضوع وزراء الخارجية لسياسات واضحة ومنهجية ومتطابقة مع المصالح الأردنية، تقررها الحكومات صاحبة الولاية العامة.
الدولة ووزارة الخارجية .. سياستان !
Posted in Uncategorized.