مهما كان شكل ومحتوى قانون الانتخابات العامة، سوف نظل نواجه مشكلة عويصة، هي أن رجال الأعمال والوجهاء هم الذين سيتصدرونها. وأساس العلّة يكمن في التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي شهدها الأردن في العقدين الأخيرين، وعنوانها الخصخصة التي انعكست، أيضا، في خصخصة السياسة، فحلّ رجال البزنس محل البيروقراطيين والمثقفين الوطنيين، سواء أفي الإدارة أم في المنافسة الانتخابية.
يشعر المواطنون أن المنافسة الانتخابية لا تجري بين مدارس فكرية واجتماعية، وانما بين حشد من الأفراد والشلل، وفي مجال القدرة على الإنفاق. ولن تتغير الصورة كثيرا إذا شارك الإخوان المسلمون، فهؤلاء يخوضونها بالمال أيضا، ولا يملكون برنامجا اقتصاديا واجتماعيا وانما يركزون على اصلاحات دستورية وانتخابية تمكنهم من الحكم. ماذا سيفعلون بالحكم؟ الشيء نفسه الذي كانت تفعله النخب الحاكمة دائما. ومثالا تونس ومصر ماثلان للعيان؛ فالإدارة الإخوانية لها نفس منطلقات وسياسات الإدارة المباركية.
القصة ليست في قانون الانتخابات وانما في البنية الاقتصادية الاجتماعية التي تعمل على إفقار الأغلبية باستمرار لصالح طبقة رجال الأعمال والمتنفذين والمستفيدين. وهؤلاء الأخيرون سيكوّنون محور العملية الانتخابية في كل الأحوال؛ لقد صبت الانتقادات السياسية ـ ونحن نؤيدها ـ على الإبقاء على الصوت الواحد في الدوائر المحلية، لكن دعونا نلاحظ حجم اللغوصة في الدائرة العامة التي كنا نؤمّلها كبديل نوعي يتدرج بحيث يشتمل على جميع مقاعد مجلس النواب.
في الحقيقة، هناك طبقة تملك المال والنفوذ، قادرة على تخريب أية انتخابات بغض النظر عن قانون الانتخاب. وقد عمقت العملية الانتخابية الحالية يقيني بضرورة الإطاحة بهذه الطبقة وإحداث تغيير نوعي في العلاقات الاقتصادية الاجتماعية نحو اقتصاد عادل وديموقراطية اجتماعية وتنمية مستدامة، كشرط للديموقراطية السياسية. وليس العكس.
وأختم بما اكتشفته بالتجربة، من انحياز طبقي صريح ضد المثقفين من أبناء الشعب الكادح؛ فالقانون يشترط استقالة المترشحين من وظائفهم. وهذا حق على مستوى الوظائف العليا في الدولة، كما هو الحال في لبنان مثلا ـ لكنه يشكل عدوانا على الكادحين حين يشترط القانون على المعلمين والمهندسين والمهنيين والموظفين الخ العاملين في القطاع العام وأساتذة الجامعات، الاستقالة. هؤلاء، وبينهم أفضل الكوادر السياسية في البلد، لا يستطيعون التضحية بالوظيفة الصغيرة، نظرا للبطالة وللالتزامات بالقروض البنكية.
هذا الشرط كان ذا معنى عندما كانت الوظائف الدنيا محدودة في جهاز دولة صغير ومؤثر على الناخبين. لكن هذه الوظائف لم تعد اليوم مؤثرة على العملية الانتخابية. يجب تعديل القانون بحيث يسمح بترشح موظفي القطاع العام من دون استقالة، مع منحهم إجازة شهر للقيام بالدعاية الانتخابية.
التمييز الثاني البالغ الفظاظة يتمثل في حرمان أفضل الأردنيين ـ أعني أبناء القوات المسلحة ـ من ممارسة حق الاقتراع. وبذلك، يتم حرمان مترشحي الشعب من كتلة تصويتية وطنية شعبية. يستند هذا الحرمان الفظيع إلى فكرتين، المهنية وإمكانية التأثير على المنافسة الانتخابية. الفكرة الأولى ليس لها أرجل؛ فالجنود والضباط هم جزء من المجتمع وقضاياه. (بالمناسبة، الجيش الأميركي مهني ولكنه يقترع .) أما الفكرة الثانية، فهي سيئة جدا وغير مقبولة؛ فإذا كانت قد بقيت أخلاق ووطنية ورجولة في هذا البلد، فهي في المعسكرات
العرب اليوم