كلفة الزيارة

رغم التهويل الذي أحاط بزيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى عمان، وما تداولته التسريبات حول بحث ملف الأسلحة الكيماوية والبيولوجية السورية، خلالها، وما خلّقته من أجواء وتكهنات، فإن معرفة الإسرائيليين المسبقة بالرفض الأردني للمشاركة في أي عمل عدواني ضد سورية، يضع الزيارة في خانة الحملة الانتخابية لنتنياهو.
كذلك، فإن التسريبات الإسرائيلية المضللة حول مناقشة مسألة الكونفدرالية في الزيارة السرية، تصبّ في الخانة نفسها؛ لذلك، فإن السؤال هو : لماذا تمنح عمان، نتنياهو، هذه الفرصة، بما في ذلك نشر التقولات والإشاعات والإساءة إلى صورة الأردن وبث البلبلة في صفوف المواطنين؟

لا أريد، هنا، أن أدخل في سجال حول العلاقات الثنائية مع إسرائيل، ولكنني أعتقد أنه آن الأوان، على الأقل، لكي تنحصر تلك العلاقات في المستوى الأمني لا غير. فاللقاءات على المستوى السياسي لها كلفة سياسية باهظة بلا مقابل.

ودعونا، الآن، نلقي نظرة على الفاتورة السياسية لزيارة نتنياهو الأخيرة إلى عمان:
أولا، تجديد حالة الغموض حول الموقف الأردني من التدخل في الأزمة السورية. وهو ما يستعيد النقاش المحلي والعربي حول موقع الأردن من تلك الأزمة، ومن الاصطفاف السياسي في المنطقة. صحيح أن نقاشا كذاك لن يستمر طويلا، لكنه يزيد الأعباء على النشاط الهادف إلى تحسين صورة الأردن العربية، ويسمح باستمرار أجواء عدم الثقة بالسياسة الأردنية.

أشعر، أحيانا، بالغيظ لأن الأردن لم يستفد، اعلاميا و سياسيا واقتصاديا، من صموده المستمر في مواجهة الضغوط الهادفة إلى توريطه في الأزمة السورية.

ثانيا، تجديد حالة الغموض حول الموقف الأردني من الكونفدرالية مع الضفة أو مع كيان فلسطيني يشمل غزة.
صمم الإسرائيليون بضعة أخبار، ومرروها إعلاميا، لتصبح مادة للنقاش الأردني في اليوم التالي، مثيرة اللغط والتوتر؛ الأردنيون لا يريدون أي شكل من أشكال الارتباط مع الكيان الفلسطيني سوى دعمه من أجل ضمان تحوله إلى دولة مستقلة، وتنفيذ حق العودة.

تعرف الأطراف كلها أن الاجماع الوطني الأردني في هذا المجال، لا يمكن كسره، إضافة إلى أنه يشكل الحلقة المتينة الوحيدة الباقية التي تؤمن استقرار المعادلة الأردنية، برغم كل الخلافات التي عرفتها الدولة والمجتمع في بلدنا في السنوات الأخيرة.

كل هذا النقاش ضار جدا بالثقة العامة والاستقرار السياسي. وينبغي وضع حد له من خلال إعادة تعريف سياقات السياسة الخارجية الأردنية، وتظهير مواقفها، وعدم السماح لإسرائيل ـ أو سواها ـ بالعزف على الأوتار التي تثير الهواجس الوطنية؛ يتطلب ذلك، أولا، وقف اللقاءات السياسية مع الإسرائيليين.

العرب اليوم
العرب اليةم

Posted in Uncategorized.