يحيا الذكاء !

رغم أننا ولجنا بالفعل مرحلة الحملات الانتخابية، ما يزال هناك مَن يوسوس بالقول إن الانتخابات لن تجري في موعدها! لماذا؟ لأن النظام السوري سوف يسقط قبل موعد الانتخابات في 23 كانون الثاني المقبل!لا يملك المرء إلا أن يقول: ما شاء الله على هذه العبقرية في التحليل السياسي! لكن، بجدّ، آن الأوان لكي نقول لمَن صدقوا أنفسهم بأنهم سياسيون وقياديون ومحللون : إن متابعة الفضائيات والخضوع للمؤثرات الإعلامية والتذاكي الساذج .. أشياء تصلح للثرثرة، ولا تصلح للتحليل السياسي. هنا، يحتاج المرء إلى عقل مثقف ورؤية وقراءة معمقة للتاريخ والبنى الاجتماعية والجغرافيا السياسية، و إلى معرفة جدية بالمعطيات الإقليمية والدولية وتطوراتها، كما يحتاج إلى التبصّر والحكمة ومغالبة الهوى وامتلاك القدرة على الربط الجدلي بين عناصر التحليل. وهذا كله ليس متاحا للكثيرين ممن يتصدون للفتاوى السياسية.

بعد ما يقرب من سنتين مكتظتين بإشاعات سقوط النظام السوري، لم يعد بإمكان المحلل السياسي الجاد، سوى السخرية من مواعيد السقوط التي تعكس الرغبات الساذجة وتتجاهل تعقيدات المشهد السوري، رغم أنها اتضحت لكل ذي بصر؛ لا علاقة للصراع في سورية بالديموقراطية، وإنما بمسائل أخرى أكثر جدية : حدود الجولان في التسوية الإقليمية مع إسرائيل، ومطامع ومصالح الأتراك في سورية والإقليم، ومشاريع أنابيب الغاز القطرية والمياه التركية، وقوة وهيكلية الجيش السوري، وعديده وسلاحه، وعلمانية الدولة السورية، وعلاقاتها الإقليمية والدولية، ودورها في لبنان الخ الخ وكل ذلك يحول دون التسوية الداخلية ويسعّر حربا مديدة، ما يزال لدى نظام الرئيس بشار الأسد، القدرة على خوضها بلا حدود، بينما الأطراف المعادية لن تكف، بدورها، عن مواصلة الحرب على الدولة السورية، بالمال والسلاح والمقاتلين الذين يتم تجميعهم من كل أنحاء العالم، لكي يخوضوا حرب الإمبريالية والرجعية تحت راية طائفية.

لا تسوية في سورية إلا إذا خضع الأسد للشروط الإسرائيلية في الجولان، وللشروط التركية في إدلب وحلب، وللشروط القطرية في مشاريع الغاز، وللشروط الإخوانية في إقامة دولة دينية طائفية. وكل ذلك يتعارض مع دواعي المصلحة العليا للدولة السورية ـ وهي موجودة وتقاتل ـ ومع مصالح الكينونة لقسم رئيس من المجتمع السوري، ومع المصالح الاستراتيجية لروسيا والصين وإيران وحزب الله وحلفائه في لبنان والعراق. وكل ما تقوم به هذه الأطراف من دبلوماسيات لا يعني أنها ستتخلى، عندما يجد الجد، عن الحليف السوري الذي يشكل ركيزة حلف دولي صاعد.

وماذا عن الأردن؟ أصبح واضحا أيضا أن صمود سورية هو ضرورة كيانية للبلد. ولا بد من الاعتراف أن سياسة الحياد الايجابي الأردنية نحو الأزمة السورية، أثمرت، بعد صبر ومعاناة، تحسنا نوعيا في موقع الأردن الاستراتيجي؛ كأن الجميع أدرك، فجأة، أن الدولة الأردنية نجحت في الامتحان، وأنه لم يعد ممكنا التفكير بتجاهلها وتجاهل مصالحها ومكانتها ودورها.

أفنتحدث، بعد ذلك، عن تأجيل الانتخابات؟ يا للسذاجة! مقاطعو الانتخابات وأعداء الدولة الأردنية، خسروا المعركة. وها هم يوسوسون حقدا أو هبلا. ولا فرق!

نوعية الانتخابات رديئة؟ بلا شك. ولكنها، في النهاية، مجرد شأن داخلي له وظيفة إقليمية ودولية. ولذلك، حتى لو افترضنا ـ جدلا ـ أن النظام السوري سيسقط قبل انعقادها، فسيكون ذلك أدعى لانجازها في موعدها.
مأزق المقاطعين، أنهم لا يدركون أن الانتخابات المقبلة سوف تنجح بمجرد انعقادها ، وبغض النظر عن نوعية الفائزين، وبمن حضر؛ ذلك لأن الامتحان الحالي ليس امتحان الديموقراطية، وإنما امتحان الدولة الوطنية.
موازين القوى في الأردن، تسمح للشعب الأردني، بالتأكيد وفي المدى المنظور، بانتزاع ديموقراطيته الوطنية ـ الاجتماعية، ولكن ليس قبل بناء التعبير والتيار السياسي للتحالف الوطني الاجتماعي. والمشاركة في الانتخابات المقبلة، هي محطة في ذلك البناء، فوتتها أغلبية النخب، معطية دليلا إضافيا على عطالتها السياسية وافتقارها للحس بالمسؤولية.

العرب اليوم

Posted in Uncategorized.