التقى الملك عبدالله الثاني العديد من الأوساط الاجتماعية والسياسية، بما فيها شخصيات من اليسار الليبرالي ، إنما لقاؤه مع مجموعة من اليساريين والحراكيين الراديكاليين،حظي وحده بالكثير من التعليقات الصحافية والمناقشات والحوارات على مواقع التواصل الاجتماعي. لمَ حدث ذلك؟
هناك ثلاثة أسباب تتعلق بطبيعة ممثلي التيار الوطني الاجتماعي التقدمي الذين التقاهم الملك، واستمع لأول مرة إلى خطابهم مباشرة، مما أوجد 3 صدمات:
(1) ـ صدمة الإخوان المسلمين وحلفائهم، من اعتراف الملك بتيار هو وحده الصريح في معارضته المبدئية للإخوان وسياساتهم، لم يهادنهم لحظة، وواجههم بالكلمة والصراع السياسي وفي الميدان، انطلاقا من علمانية صريحة. (2) ـ صدمة مجاميع التوطين والمحاصصة إزاء كسر الحجْر السياسي على تيار وطني أردني شديد التمسك بالدولة الأردنية وكيانها الوطني وهويتها. (3) ـ صدمة الأوساط النيوليبرالية من انفتاح الملك على تيار يساري حقيقي مضاد للخصخصة واقتصاد السوق المتوحش والأكثر جرأة في المطالبة باستئصال الفساد واستعادة القطاع العام.
على المقلب الآخر، كانت هنالك هجمات على المناضلين الذين حضروا اللقاء. وهي، تكرر سخافات الاتهامات في البحث عن منافع شخصية، ليست واردة، أولا، بسبب الصلابة المعروفة عن قيادات التيار الوطني الاجتماعي الذين يصدرون عن برنامج متكامل لتجديد الدولة الأردنية، ولا يصدرون عن مشاغبات برسم الإرضاء والمنافع، وثانيا، لأن أي ميل للحصول على مكاسب لا يتم بالاتصال الجماعي، بل الفردي. وبالنسبة لي، شخصيا، فقد وضعت نفسي والشخصيات القيادية جانبا، واقترحت لقاء مع شباب من الميدان، أخبروا الملك بمطالبهم وهواجسهم الخام التي لم تصقلها الدبلوماسية المعهودة ‘ للزعماء’.
يبقى الاعتراض الجدير بالمناقشة هو الذي يقوم على نقد التوجه للتفاهم مع النظام ضد الإخوان وحلفائهم.
هناك من يفضل التحالف مع الإخوان.وهؤلاء عميٌ عما حدث في تونس ومصر والمغرب من مشروعات الإخوان الإقصائية الدكتاتورية. وهؤلاء السذّج ليست لهم ذاتية أو بصيرة، ولا حس بالمسؤولية إزاء الأخطار التي تواجه الدولة الأردنية من قبل مخططات إقليمية ودولية، يشكل الإخوان جزءا منها وأدوات لها، مما يجعل التعاون معهم ضربا من انعدام الحس بالمسؤولية الوطنية، لئلا نقول أكثر.
وهناك مَن يفضل اتخاذ موقف مضاد لفريقي الصراع، النظام والإخوان. وفي هذه المقاربة وجاهة نظرية، لكنها تفتقر للواقعية السياسية، ولا تليق إلا بمثقفين متفرجين غير فاعلين.
الخيار الثالث الذي يذهب إليه التيار الوطني الاجتماعي، هو السعي لإقامة جبهة مدنية علمانية ضد المطاوعة والمشروعات الاقليمية والدولية المعادية للدولة الأردنية والشعب الأردني. وأنا لا أتحدث هنا عن انتقال سياسي للتيار أو قيادته نحو الالتحام بالنظام، وإنما عن جبهة تحافظ على الاستقلال الفكري والسياسي لأطرافها، وتندرج في عملية سياسية تضم البيروقراطية المدنية والعسكرية والعشائر والقوى الاجتماعية الشعبية وفي طليعتها اليسار الراديكالي، تقوم على ثلاثة مشتركات:
أولا، قوننة فك الارتباط مع الضفة الغربية وسد باب الكونفدرالية والتوطين السياسي ومشروعات المحاصصة الخ..
ثانيا، الحياد إزاء الأزمة السورية والانفتاح المتوازن على كل القوى الإقليمية والدولية، بما يسمح بتحصين الموقف الجيوسياسي الأردني وإقامة علاقات اقتصادية متعددة وأكثر عدالة وندية مع الأطراف،
ثالثا، العلمانية.
وبالمقابل، تعرقل التفاهمات تلك، ثلاثة خلافات هي :
أولا، الموقف حول آليات استئصال جذري لمؤسسة الفساد، والإطاحة بالنخب القديمة ووقف محاباة رجال الأعمال والشركات، بالتسهيلات المتنوعة، وأهمها التسهيلات الضريبية.
ثانيا، مراجعة الخصخصة واستعادة القطاع العام وإقامة صيغة أردنية للديموقراطية الاجتماعية، وإعادة هيكلة قطاعي التعليم والصحة الخ..
ثالثا، مضمون تنمية المحافظات؛ بمشروعات البنى التحتية والمشروعات ‘ التنموية’ المفصّلة على الحواسيب في غرف مغلقة من قبل الديجيتال أم بمشروعات تتضمنها خطة وطنية تركز على الإنتاج والتشغيل يصممها ويقودها أبناء المحافظة أنفسهم؟
والحوار يتركز على هذه العناوين الثلاثة. وقد يؤدي، في الظروف الخاصة التي يعيشها الأردن، إلى حل وسط، يكفل التدرج الديموقراطي في ظل الاستقرار وصيانة الدولة وتلافي التفكك والفوضى ويؤمن التصدي للأجندات الخارجية المعادية.
نحن، إذاً، بصدد عملية سياسية شائكة ومعقدة، لها أصدقاء وأعداء أكثر، داخل مؤسسة الحكم وخارجها. وهي، بالتالي، عملية نضالية جدية قد تنجح وقد تفشل. ولكن لا يمكن لمناضلين وطنيين أردنيين جادين، أن يضعوها جانبا .
العرب اليوم