في التحليل الرقمي ، يمثل مجلس النواب الأردني الخامس عشر، ما نسبته 14 بالمئة من الأردنيين في سن الانتخاب. وإذا ما استثنينا أولئك الذين باعوا أصواتهم ، فربما تهبط تلك النسبة إلى 7 بالمئة أو أقل.وفي التحليل الاجتماعي، فإن الأشخاص الذين يحتلون المناصب العينية والوزارية والعمة ومواقع القرارـ أي أولئك الذين يشكلون النخبة الحاكمة ـ ينتمون إلى شبكة اجتماعية ـ سياسية لا تمثل أكثر من ربع بالمئة من الأردنيين.
بمعنى آخر، فإن الأغلبية الساحقة من الشعب الأردني، لا تحظى بأي تمثيل على مستوى السلطتين ، التشريعية والتنفيذية، أو مواقع القرار الأساسية. وهذا الفراغ التمثيلي شبه الكامل ، يملاؤه الملك ، من خلال شعور الأغلبية بأن العرش يمثلهم على الشيوع.
وإذا كان ذلك ، يحل مشكلة الولاء، ويخفض من الشعور المرير بالإغتراب الداخلي لدى العامة، فانه لا يحل مشكلة الاغتراب تلك على صعيد النخب المستبعدة والمهمشة، كما أنه لا يحل مشكلة آليات التمثيل السياسي العيانية في الصراع على الموارد والمطامح والرؤى والمصالح الاجتماعية.
ولعله من الضروري أن أتوقف ، هنا ، لتحديد المحتوى الاجتماعي للتمثيل السياسي . فاذا كان من المعتاد اعتبار ‘سين’ ممثلا لعشيرته ومحافظته ، فان محتوى ذلك التمثيل لم يعد كذلك. فبالنظر إلى تفكك البنى العشائرية على أساس طبقي وثقافي ، وتخلخل دورها السياسي المحلي الجهوي، وبالنظر إلى أن آليات صنع النخبة لم تعد عشائرية أو جهوية أو تقليدية، بل أصبحت محكومة بقوة المصالح المالية ونفوذ العائلات السياسية، لم يعد سين ذاك أو صاد إلخ ممثلين للقوى الاجتماعية التقليدية أو العشائر أو المحافظات او المجاميع السكانية ، تلك التي ينتمون إليها بالإسم أو الفلكلور ، ولكن ليس من الناحية الاجتماعية والثقافية وشبكة المصالح.
نحن أمام طبقة جديدة ،مستندة إلى روابط من المصالح الخاصة والنفوذ والعلاقات الاستثمارية و السياسية الفردية على المستويين المحلي والخارجي.
وهذه الطبقة مفتوحة من حيث العضوية ، أي أنها لا تمثل القوى الرأسمالية التقليدية أو العشائر أو الأحزاب أو المؤسسات ، ولكنها تجمع مترابط من الناجحين ، قاعدته كمبرادورية ، أي من وسطاء المصالح الاقتصادية والسياسية الأجنبية ، وقيادته من الليبراليين الجدد الذين يحددون البرامج والسياقات من خلال استئثارهم بالقرار.
لا نستطيع أن نسمي هذه الطبقة الجديدة من صقور رجال الأعمال والتكنوقراط، أرستقراطية ، فالارستقراطية مشروطة بالترابط مع قواعد اجتماعية تقليدية واسعة من القوى الريفية. ولا نستطيع أن نسميها بورجوازية طالما أن دورها في في الاقتصاد الوطني ليس انتاجيا ولا يؤدي إلى تراكم الثروة الوطنية والخبرات ، وليس ابداعيا في البحث عن موارد وحقول جديدة للاستثمار، انما هي طبقة من الكمبرادور العقاري والمالي والخدماتي ، نشأت على هامش سياسات الخصخصة ثم احتلت المتن كله من خلال تشابك المال والنفوذ السياسي الداخلي والخارجي.
لقد بحثنا عن توصيف لشكل الحكم الذي استكمل عناصره في بلدنا ، بعد الانتخابات النيابية الأخيرة، فتوصلنا إلى أن الأنموذج النظري الأقرب ، هنا ، هو ما يسمى في علم الاجتماع السياسي : حكم’ الأوليغاركية’ ، أي حكم الأقلية المالية السياسية ، حيث تستأثر جماعة صغيرة بالثروة والسلطة ولا اعني النظام بالطبع.
النظام الأميركي هو ، أيضا، أوليغاركي . لكنه يستند إلى اقتصاد وطني متنوع ما بعد صناعي ضخم جدا. وهو اقتصاد مولد للفرص على نطاق واسع نسبيا. كما أن الآليات السياسية الليبرالية وسيادة القانون والحرية النسبية وآليات تداول السلطة ، تجعل من الأوليغاركية الأميركية ، على بشاعتها القصوى، ممكنة ومحتملة من قبل الطبقات الوسطى.
ولكن ، في بلد كالأردن يقوم على اقتصاد ضعيف جدا ، غير مولد للفرص على نطاق كاف للحفاظ على طبقة وسطى واسعة نسبيا، في بلد محدود الموارد ، ومحدودالادخار، وعاجز عن المنافسة الخارجية، فان الأوليغاركية تعني خنق البدائل ، واستئثار مجموعة ضيقة بكل الفرص الأساسية ، ولا يمكن أن تستمر إلا على أساس إفقار الأغلبية وتهميش النخب السياسية والثقافية ، وتاليا منع المعارضة ، ليس فقط من خلال نسف آلياتها الاجتماعية ، ولكن ، أيضا، بالوسائل السلطوية .