لا تتسم الخطة الحكومية لمعالجة أزمة المالية العامة، بالحس بالمسؤولية أو بالإبداع أو حتى بالإدارة الرشيدة. إنها مجرد تكرار للوصفة المالية لصندوق النقد الدولي، السهلة والمعروفة بفشلها الحتمي. وهي وصفة تتجاهل البدائل الاجتماعية مثل النظام الضريبي التصاعدي الشامل على الدخول والأرباح، أو التراجع عن خصخصة مرافق الطاقة، أو استعادة تضبيط السوق، أو استرداد جزء من تكاليف الخدمات والتسهيلات الممنوحة للرأسماليين المحليين والأجانب، أو اعتماد الراتب الاجتماعي أو تحفيز التعاونيات والمشاريع الصغيرة لاستيعاب البطالة وخفض الضغط على الوظائف العامة وصناديق المعونة الخ .
الفريق الاقتصادي الحاكم ـ مع تبدل الأسماء ـ هو نفسه الفريق النيوليبرالي. وتتسم أفكاره بالمحدودية وضيق الأفق والتعايش مع الهدر والميل الى تحميل أعباء العجز للفئات الشعبية.
أكثر ما يغيظ في الخطة الحكومية الحالية الجزئية لمعالجة العجز المالي من خلال تخفيض الدعم عن المشتقات النفطية والكهرباء، أنه يتم تصويرها وكأنها البديل الوحيد المتاح، وأنه لا بد من تنفيذها فورا وإلا وقعت الكارثة.
ويقوم رئيس الوزراء، بلقاءات و’حوارات’، لتقديم وجهة النظر النيوليبرالية تلك وكأنها حقيقة علمية يتوجب شرحها لطلاّب كسالى. وهو يظن أنه، بذلك، يستوعب الاحتجاجات التي ستنجم عن التضخم وانفلات جنون الأسعار في ظل جو مشحون بالتوتر الاجتماعي السياسي. وهذا، بالطبع، مجرد وهم؛ الاحتجاجات آتية حتما، وهي ستضطر الحكومة للتراجع عن اجراءاتها بعدما تكون قد وجهت ضربة للانتخابات النيابية.
الدعم الحكومي للكهرباء كبير فعلا، ولا بد من معالجته، ولكن ليس بتحميل أعباء الكسل الإداري والهدر والخصخصة على عاتق الاقتصاد الوطني والمواطنين؛
أولا، على الحكومة أن تبحث في تخفيض كلفة انتاج الكهرباء؛ وذلك من خلال (1) استيراد الغاز من مصدر آخر غير مصر. وهذا ممكن تجاريا وفنيا، (2) ضبط الفاقد المهدور من الغاز والوقود في انتاج الكهرباء، (3) إعادة تأميم شركة توليد الكهرباء التي تحقق أرباحا يتم تحويلها خارج البلاد وينبغي خصمها من الكلفة، (4) اخضاع كل الجهات ومراكز النفوذ لتسديد قيمة الكهرباء المسروقة.
ثانيا، على الحكومة أن تبحث في تقدير كلفة الدعم الموجه للمقيمين، في كل المجالات، وفرض رسوم عادلة وشاملة على الإقامات والعمالة الوافدة. وهو ما يمكن أن يتم فورا ومن دون ‘حوارات’ ولقاءات الخ .
ثالثا، اتباع أساليب ترشيد استهلاك الكهرباء، بما في ذلك نظام إغلاق المحلات والمرافق غير الضرورية في العاشرة مساء. وهو ما سينعكس، تلقائيا، على ترشيد استهلاك بنزين السيارات.
رابعا، ولدى انجاز الأعمال أعلاه ـ وهي جزء من واجبات الحكومة ـ يتم تقدير الحجم الفعلي للدعم والنظر في تخفيضه وزيادة الأسعار وفق معادلة تدرجيّة على نسب الاستهلاك.
أما الدعم الموجه للمشتقات النفطية، فمن واجبات الحكومة أن تؤمن، أولا، نظام مواصلات عامة كفؤ ويعمل بالكلفة، بما يخفّض كلفة النقل بالنسبة للموظفين والعمال والطلاب، ومن واجباتها، ثانيا، التوصل إلى معادلة سعرية تكفل تغطية دعم أنبوبة الغاز المنزلية من خلال وارادات المحروقات الأخرى.
خامساً، على أن تتم حماية الموظفين العموميين والعسكريين والمتقاعدين، من آثار زيادة أسعار الطاقة الكهربائية والمشتقات النفطية بزيادات أصيلة في الرواتب، محسوبة على أساس المعادلة التضخمية الشاملة.
العرب اليوم