الأردن وحيدٌ؛ في محيطه الإقليمي بكل الاتجاهات لكنه قرر ـ بسبب مصالحه الوطنية ـ أن يقترب من خندق سورية الجريحة. وهو، بذلك، يقطع مع تركيا، من دون أن يربح إيران! فما الذي يعوّقه عن التوصل إلى قرار استبدال التموضع؟أولا، التقليد المترسّخ المضادّ لإيران في السياسة الخارجية. يشلّ هذا التقليد الدبلوماسي الجامد، الخيالَ السياسي والجرأةَ اللازمة،
ثانيا، المخاوف من تصاعد العدائية الغربية والخليجية والإسرائيلية،
ثالثا، المخاوف من تردّي العلاقة ـ المضطربة أصلا ـ مع الولايات المتحدة الأمريكية التي تعدها عمان حليفها الرئيسي، من دون أن تحظى بالدعم المأمول من هذا الحليف.
لا تنظر واشنطن إلى الأردن في ذاته، وإنما تراه من ثلاث زوايا: إسرائيلية وفلسطينية وأمنية. إنها تسعى للتوفيق، في الآن نفسه، بين (1) المصالح الإسرائيلية في الاستيطان وخفض مؤثرات العبء السكاني عن الاحتلال الاسرائيلي، وهذا ممكن، فقط، في السياق الأردني، (2) ومصالح جماعات الحقوق المنقوصة في تأمين إعادة تركيب البلد على أساس ثنائي الوطنية، (3) وتحقيق هذين الهدفين في إطار أمني مضبوط تكفله الدولة الأردنية.
ولكن واشنطن، بإغفالها التناقضات الحادة في هذه التوليفة من السياسات، تتخذ مواقف مضطربة من الشأن الأردني. إن سعيها لتحقيق المصالح الإسرائيلية من خلال رعاية مشروع فدرالي أو كونفدرالي توطيني، أو حتى الضغط للتجنيس، من شأنه تفجير البلد كذلك، فإن ضغوطها المتواصلة لإصلاحات سياسية تمنح النخب الفلسطينية ـ الأردنية، حصصا أكبر في الدولة في سياق ‘ديموقراطية بقيادة الإخوان المسلمين’، من شأنها تغيير بنية الدولة الأردنية بما يمسّ قدرتها على ضبط الأمن في الداخل وعلى الحدود.
وعلى هذه الخلفية من التناقضات، تعجز واشنطن عن بلورة نهج صارم فيما يتصل بمشروعها في الأردن؛ تسعى في التجنيس وتتراجع، وتطل على مشروع الكونفدرالية ثم تنكص، وتدعم ‘ الإخوان’ وتشجعهم على خوض معركة كسر عظم مع النظام، ثم تتخلى عنهم، من دون أن تقطع معهم. وبينما تغضّ النظر عن الضغوط الخليجية على البلد المطحون بأزمته المالية، وربما تشجعها، لكنها تتفهّم، في الوقت نفسه، الوضع السياسي والأمني الحساس لعمان بالنسبة للتدخل في الأزمة السورية، ثم تحرج الأردن بتصريحات توحي وكأن القوات الأمريكية والأردنية، تستعدّ لغزو سورية غدا. وذلك، حتى من دون تأمين الدعم المالي اللازم لإدارة وإدامة مخيمات اللاجئين السوريين!
وأتاح الاضطراب الأمريكي نحو الأردن، ويتيح، للدولة وقواها الاجتماعية والسياسية، فسحة من الاستقلالية، قليلا ما نستثمرها في ابتكار خيارات ابداعية وجريئة تُخرج البلد من العزلة الإقليمية والدولية، وتؤمّن لها مصالحها. ومن تلك الخيارات، الخروج من الاستقطاب المذهبي في المنطقة كليا، وتكثيف الصلات السياسية والاقتصادية مع روسيا والصين نحو نمط من التحالف، وبذل جهود جدية لاستعادة العلاقات الثنائية المميزة مع العراق. ويحتاج ذلك، إضافة إلى الإرادة السياسية، إلى تغيير الطاقم الدبلوماسي الأردني على مستوى السفراء الرئيسيين ووزير الخارجية، ليس فقط كأشخاص وإنما كعقليات وتوجهات.
بالخلاصة، لا يتمتع الأردن بموقع الحليف لدى الأمريكيين ولا القوى الرئيسية في الخليج ولا مصر الإخوانية، أو يمكننا القول ـ على الأقلّ ـ إن البلد لا يستطيع الاعتماد، استراتيجيا، على هذه القوى. وآن الأوان للبحث عن حلفاء وشركاء غير تقليديين، خصوصا وأن التعددية القطبية في السياسة الدولية، أصبحت أمرا واقعا.
العرب اليوم