خط أحمر

في الأسبوع الماضي، كشف فاروق القدومي عن مداولات إسرائيلية ـ فلسطينية، في غياب الجانب الأردني، حول صيغة كونفدرالية أو فدرالية بين الضفة الغربية والأردن. والمفارقة أن القدومي ناقش الاقتراح بصورة إيجابية من دون أن يلتفت إلى أن في المعادلة طرفا ثالثا، فلم يسأل ما إذا كان الأردنيون سيوافقون أم لا؟ وهو تجاوز على الأردن، وعلى الشعب الأردني وحركته الوطنية، لم يعد ممكنا السكوت عليه. ومن الآن وصاعدا، غير مسموح لأي كان أن يتحدث في مستقبل الأردن من دون أن يلحظ أن الأردنيين شعب له كيان وهوية وإرادة وقدرة ما تزال مختزنة على المقاومة. وأي أردني يتورط، من قريب أو بعيد، بمداولات تمس الكيان الأردني، سيكون بالنسبة لشعبنا في خندق معاد.
تقوم المداولات المعنية على إقرار ‘ واقعي’ من قبل الأطراف الفلسطينية الرسمية، بما يلي :
ـ تراجع الاهتمام الإقليمي والدولي بعملية السلام الإسرائيلية ـ الفلسطينية،
ـ موت اتفاقيات أوسلو 1993، التي فقدت الاجماع وقوة الدفع وراءها على الجانبين،
ـ سقوط مشروع الدولة الفلسطينية، سواء بسبب الرفض الإسرائيلي أم بسبب الانفصال بين الضفة وغزة التي تتجه إلى التطور إلى كيان مستقل مرتبط بمصر، ويحظى باعتراف خليجي صريح،
ـ وهكذا، فإن الحل الواقعي الذي يبقى هو العودة إلى صيغة سياسية معدلة لما قبل حزيران 1967؛ غزة ‘مصرية’ وضفة ‘أردنية’.

من الواضح أن هناك نوعا من التوافق على ‘الحقائق’ المستجدة بين قيادات السلطة والمنظمة وبين اجماع إسرائيلي ممكن تحت قيادة تحالف اليمين. وهو توافق يقود إلى كونفدرالية ـ وفي الحقيقة: فدرالية ـ بشراكة ‘ السلطة’، فيما يمثل قفزة عن مشروع التوافق الأميركي ـ الإخواني الحمساوي على صيغة كونفدرالية إسلامية (أردنية ـ فلسطينية) تنسجم مع روح ‘الربيع العربي’.’

حماس’ و’السلطة’ تتنازعان على الضفة الغربية، أي، في الحقيقة، على 56 بالمئة منها، مقطعة الأوصال ومحشورة بين الجدار الاستيطاني غربا والجدار الأمني في الغور شرقا.

يقتضي المشروع الحمساوي، (1) انسحابا إسرائيليا أحاديا من المناطق التي تتخلى عنها إسرائيل من دون اتفاق أو معاهدة سلام، بل في سياق ‘ هدنة ‘ واقعية طويلة المدى، (2) تولّي حكومة ‘ حمساوية’، السلطات في هذه المناطق، (3) تولّي حكومة إخوانية، السلطات في الأردن. وذلك، في إطار رعاية أميركية ودعم قَطري خليجي.

لكن إسرائيل ربما تفضّل الآن، مشروع ‘ السلطة’ الذي (1) يقر الانفصال السياسي عن غزة، (2) ويشرع في مفاوضات تنتهي باتفاقية انسحاب من مناطق الضفة التي يزمع الإسرائيليون التخلي عنها، وتنضم للأردن (3) وهو الذي ـ وليس ‘ السلطة’ مَن يكفل الأمن فيها.

في المشروعين، يحقق الإسرائيليون، أهدافهم الرئيسية، وهي: (1) ضمان الاستيلاء على ما يقرب من نصف الضفة الغربية وضمها لإسرائيل، (2) ضمان استيعاب السكان والمشروع السياسي الفلسطيني في الكونفدرالية أو الفدرالية على حساب الأردن، (3) ضمان الأمن الإسرائيلي.

للشعب الأردني ـ كما سواه من الشعوب ـ حق تقرير المصير، بمعزل عن تطورات القضية الفلسطينية أو سواها. وحق تقرير المصير محدد بالدولة الوطنية. وهي دولة قائمة بالفعل. ومَن يعتقد أن الأردنيين وحركتهم الوطنية سيفرطون بكيانهم ودولتهم، تحت أي ظرف، واهم؛ لا في فدرالية ولا في كونفدرالية، ولا في أي شكل من أشكال العلاقة ـ غير الكفاحية ـ مع فلسطين قبل تحريرها. وحتى حينذاك، فإن الشعب الأردني هو ، وحده، المخوّل في تحديد مستقبله الوطني. فلينتبه أولئك الذين يتفاوضون إلى أن الوطنية الأردنية قد تشكلت وتصلبت وغير قابلة للتجاهل في مشاريع إقليمية أو دولية. ودولتنا واستقلالها وهويتها خط أحمر دونه الأرواح.

العرب البوم

Posted in Uncategorized.