منذ سنوات، ونحن نقاتل على هذه الجبهة ! ولن أذكر ما تحمّلناه، نحن الوطنيين الأردنيين، من عنت واضطهاد وافتراءات، من جرّاء صمودنا في خندق الأردن المستَهدَف بالإلغاء بالوطن البديل، لن أذكر شيئا عن ذلك، فهو واجبنا حتى آخر كلمة وآخر قطرة دم . ولن أعاتب ‘ الأذكياء’ والمدّعين معا! ولن أزهو بمنهجيتي في التوقّع السياسي.. فهي لم تفشل مرة واحدة.
منذ العام 1995، وأنا أحذّر من أنّ تمييع ملف دسترة وقوننة فك الارتباط مع الضفة الغربية أخطر من ألا يكون على رأس جدول الأعمال، وأطالب بإخضاع الانفصال السياسي ذاك لموجباته من الانفصال الدستوري والقانوني الكاملين، وإعادة تعريف الدولة الأردنية والمواطنة الأردنية والوطنية الأردنية والسياسة الأردنية في ضوء مجابهة الخطر الاستراتيجي المتمثّل في التردي إلى وضع معكوس لما كان قبل ال1967، أي كونفدرالية تُخضع الأردن لضرورات السياسة الإسرائيلية في الضفة الغربية.
يقول الصديق فهد الخيطان، معلقا على تصريحات فاروق القدومي حول الكونفدرالية الخ، ما أسماه عودة الحكم الأردني إلى الضفة الغربية! يا ليت يا فهد يا ليت! لو كان ذلك هو المشروع المطروح لناقشناه بروح أخرى، ولكن دعني أكرّر ما كتبته، في الأشهر الأخيرة، مرارا، حول المشروع السياسي الفعلي القائم للإجماع اليميني الإسرائيلي:
أولا، صحيح أن اتفاق ‘أوسلو’ وحل الدولتين، قد ماتا، وصحيح أن السلطة الفلسطينية والمشروع الوطني الفلسطيني يلفظ أنفاسه، وصحيح أن غزة انفصلت في إمارة إخوانية ذات توجه مصري لا فلسطيني ولا أردني… ولكن ذلك كله لا يعني ـ بالنسبة للأردن والضفة ـ العودة إلى صيغة سياسية معدلة للوضع لما قبل ال67. كلا .. فالمشروع الإسرائيلي يقوم على انسحاب جزئي من الضفة، تاركين للفلسطينيين ولنا ما لا يزيد على 56 بالمئة من الأراضي مقطعة الأوصال بين الجدار الاستيطاني والجدار العسكري في الغور،
ثانيا، ومع هذه الأراضي علينا أن ننشئ كونفدرالية أو فدرالية لها وظيفتان إسرائيليتان هما (1) استيعاب السكان والمشروع السياسي الفلسطيني، (2) الحفاظ على أمن إسرائيل! أما كيف سيتم توليف هذين الهدفين في سوليفان قومي أو وحدوي أو ديموقراطي أو اسلاموي، فهذا متروك لنا وللفلسطينيين.
المعنى الفعلي الوحيد لذلك هو أن الأردن هو الذي سيخضع لحكم سياسات الاحتلال وليس العكس. الأردن هنا هو الحديقة الخلفية للمحتلين لتصفية القضية الفلسطينية نهائيا.
ثالثا، على المستوى الأردني ـ الفلسطيني الداخلي تعني هذه الصيغة فلسطنة الأردن بالكامل، سكانيا ( لا ننسى هنا الهجرة الفلسطينية الجديدة المتوقعة من سورية ) وسياسيا، ذلك أن الفلسطينيين ليسوا مجرد سكان ولا مجرد مواطنين في كونفدرالية، بل كيان سياسي يمتلك العصبية والقدرة الاقتصادية والآليات والدعم العربي والدولي .. وكل ما يمكن نخب المشروع السياسي من إعادة صياغة الأردن كمركز فلسطيني.
رابعا، هذا المشروع ليس ابن ساعته، وإنما هو عملية اقتصادية اجتماعية سياسية ثقافية ممنهجة ومتراكمة منذ سياسة الجسور المفتوحة وحتى مظاهرات الإخوان المسلمين المطالبة بقانون انتخابات على أساس الكثافة السكانية. وفي إطار هذه العملية، تمت خصخصة القطاع العام الاقتصادي ونهب وتجريف مقدرات الدولة الأردنية، وإضعاف أجهزتها الإدارية وتمييع خطابها السياسي والثقافي الخ، وإفقار وتهميش المحافظات، وتحويل الوطنية الأردنية إلى تهمة وجريمة (حوكمتُ، شخصيا، بتهمة الدفاع عن الوطنية الأردنية، وسُجنت وتعرضت لاعتداءات ومضايقات ومحاولات للقتل الفعلي أو المعنوي.)
خامسا، ضغوط الغرب واسرائيل وضغوط مصر الإخوانية ( قطع الغاز ) والأدوات الأميركية في الخليج ( قطع المساعدات) والوصول بالبلد إلى حد الإفلاس في مواجهة جماهير غاضبة من غول الفساد والخصخصة، ممزقة، وتحسّ بالغربة في وطنها … كل ذلك يصب في اتجاه تفكك تتلقفه وتوظفه قوة سياسية محلية هي شريك كامل في المشروع المعادي للأردن، وتريد تحويل شعبه إلى هنود حمر وحرس على أمن الأثرياء وأمن إسرائيل.
سادسا، مَن قال إنه هناك ضرورة للبحث عن صيغ سياسية للفدرالية مع بقايا الضفة؟ الصيغة جاهزة فورا: إلغاء قرار فك الارتباط؛ فهو صدر بقرار سيادي ويتم شطبه بقرار سيادي. وكان الله بالسر عليما ! هل عرفتم الآن لماذا التعنت في رفض مطلب الحركة الوطنية، دسترة وقوننة فك الارتباط ؟
العرب اليوم