أخطأ رئيس الوزراء وأساء للاقتصاد الوطني بإشارته إلى (( سعر صرف الدينار )) فالنبوءات في الأسواق تحقق نفسها. وقد أسهم تصريح الرئيس ذاك بهروب ادخارات محلية من الدينار إلى الدولار، وساهم في زيادات ملموسة في الأسعار خلال أيام. وهي ستستمر صعودا. كان الرئيس يشير إلى (( سعر صرف الدينار )) إذا لم يجر تخفيض الدعم عن الطاقة والسلع الأخرى. وهي أسوأ ما يمكن قوله في هذا المجال. وبذلك، على الرئيس أن يصغي إلينا جيدا بدلا من إلقاء التصريحات الضارة.
هناك تناقض واضح في الاقتصاد الأردني بين القطاعين العام والخاص، الأول يعاني من أزمة مالية خانقة، بينما يتمتع الثاني بوفورات مالية، يتم تحويل قسم كبير منها إلى بنوك عالمية أو إلى تغطية استيراد سيارات فارهة وسلع وخدمات كمالية وتمويل السياحة الخارجية الخ …
وقد تفاقم هذا التناقض لأربعة أسباب، أولا : الخصخصة التي حرمت الخزينة من القسم الأساسي من عائدات الاتصالات والتعدين والنقل وإنتاج الطاقة الخ، وثانيا : الفساد الذي حرم الدولة من قسم آخر من مواردها، وثالثا : غياب النظام الضريبي التصاعدي ما يسمح للشركات وللبرجوازية الكبيرة والصغيرة بحصد الأرباح والأتعاب المهنية العالية من دون تسديد الضرائب المناسبة للدولة والمجتمع، ورابعا : دعم الطاقة التي تحولت إلى مشكلة كبرى نظرا لاضطرار البلد إلى الحصول عليها بالأسعار العالمية. وتستفيد من ذلك الدعم الفئات الطبقية من دون تمييز والوافدون والمقيمون.
معالجة أزمة المالية العامة للدولة ستكون عرجاء ـ وبلا طائل ـ إذا اقتصرت على معالجة السبب الرابع ( الدعم) فقط، ولم تلتفت إلى معالجة إنهاء الخلل والتعسف وضياع الإيرادات العامة من المؤسسات المخصخصة، واجتثاث الفساد والهدر، وإقرار نظام ضريبي تصاعدي وزيادة ضريبة المبيعات على السلع الكمالية وفرض بدل إقامة مجزٍ على جميع المقيمين والعمال الوافدين. ويقدّر عددهم الإجمالي بمليوني مقيم وعامل وافد.
هذه حزمة متكاملة. ولا بد من معالجتها كحزمة ليس فقط لإقناع الأغلبية الشعبية بعقلانية الإجراءات وعدالة التضحيات، ولكن، بالأساس، لتعزيز الثقة العامة بالدولة وقراراتها.
وقبل أن نعرض ما نقترحه من حل اجتماعي لمشكلة الدعم، علينا أولا أن نتوقف عند بعض التفاصيل، ومنها:
ـ وقف التربح غير الشرعي في شركة توليد الكهرباء المخصخصة. وفي رأي الخبراء أنه في حالة ضبط حسابات عملية الإنتاج الكهربائي فإنه يمكن توفير ما لا يقل عن 20 بالمئة من كلفة إنتاج الكهرباء.
ـ حل مشكلة النقل العام من خلال تأسيس شركة عامة للنقل بين المحافظات وداخلها، تؤمن المواصلات بمواعيد مضبوطة وبالكلفة.
ـ إحياء التعاونيات الريفية، وتقديم الدعم الكافي لمربي المواشي والدواجن من فئة صغار المنتجين.
ـ توفير قروض مدعومة للمشاريع الصغيرة في المحافظات .
ـ ومع الأخذ بالاعتبار ضرورة التوصل إلى استرداد كامل تكاليف الخدمات، وينبغي ابتكار صيغ تدرجية في معادلات الأسعار بين العاصمة والمحافظات.
ـ دمج جميع الصناديق الاجتماعية وتوحيد معاييرها وتوجيهها نحو أنماط من الدعم الإنتاجي.
ـ وقف مشاريع البنية التحتية باستثناء الصيانة.
وعلى هذه الخلفية، يمكن التخلّص من بند الدعم كليا، ولكن بعد زيادة رواتب الموظفين والمتقاعدين المدنيين والعسكريين، بما لا يقل عن 50 دينارا شهريا تعوّضهم عن الدعم. أما في القطاع الخاص، فعلى الحكومة أن تترك حل المشكلة الناجمة عن رفع الدعم للعلاقة الصراعية بين أرباب العمل والنقابات.
بخلاف ذلك، سيكون أي حل يعتمد على الكوبونات والبدل النقدي الخ مجرد رقعة في ثوب المالية العامة المهترئ.
العرب اليوم