من حسن حظ الأردن أن ما يسمى الربيع العربي ( وهو الاسم الحركي للسياسات التوافقية بين الولايات المتحدة والخليج والإخوان المسلمين ) قد تأخّر عنه حتى الآن، بحيث أننا نستطيع، بالملموس، أن نستنتج ما يلي: أولا، التحالف مع واشنطن، لا قيمة استراتيجية له بالنسبة للأنظمة الحاكمة.( مثال تونس ومصر واليمن وليبيا).
ثانيا، التحالف مع الخليج وتركيا لا يمكن الاعتماد عليه. فملك السعودية كان يذهب إلى الرئيس السوري حانيا ليكسب رضاه، وكان حمد وموزة صديقين شخصيين لبشار وأسمى، وكان رجب طيب أردوغان رجل سورية في الإقليم، فانظر أين هم الآن بالنسبة للنظام السوري؟
ثالثا، التحالف مع الإخوان المسلمين كالتحالف مع السراب، سواء بالنسبة للفئات الحاكمة التي تتوهم بإمكانية التفاهم معهم ( كالقيادات العسكرية المصرية) أو للفئات الشعبية الوطنية القومية واليسارية التي تتوهم بإمكانية مشاركتهم الحكم ( كالمعارضة التونسية والمصرية والمغربية).
رابعا، التعويل على المنافسة الديموقراطية أو تشكيل الجبهات مع الإخوان المسلمين، ثبت بأنه ضربٌ من السذاجة ( مثال غزة واضح كنموذج مستقبلي لمصر وتونس الخ).
خامسا، التعويل على اعتدال الإخوان المسلمين، كالتعويل على ترويض الذئاب. ومثال سورية واضح، حيث تتبارى كتائب الإخوان مع كتائب التكفيريين والقاعدة في الذبح على الهوية في كل بقعة يتاح لهم فيها السيطرة، ولو المؤقتة.
الإخوان المسلمون اليوم أقوياء، ومستعجلون، بالتالي، على كشف ما كانوا يبطنونه تحت قناع الوداعة. وهم أقوياء، فقط، لأنهم يمثلون البديل الاستراتيجي للهيمنة الأميركية في الشرق الأوسط. وهناك أربع نقاط أساسية للتفاهم الأميركي الإخواني تبلورت نظريا، وتجسدت، فيما بعد، سياسيا. وهي:
أولا، التوافق على نهج اقتصاد السوق النيوليبرالي.
ثانيا، التوافق على عدم تخطي التعاطف المعترف به على المستوى الأوروبي والتركي مع الفلسطينيين، إلى المساس بالستاتيكو القائم مع إسرائيل، سياسيا ودفاعيا.
ثالثا، التوافق على تحييد الخليج من أية تغييرات سياسية دراماتيكية، من شأنها المساس بالأنظمة الخليجية وعلاقاتها النفطية والعسكرية والأمنية والاقتصادية بالغرب.
رابعا، الديموقراطية الانتخابية، بما يسمح بتجديد نخب الحكم بعناصر شعبية وإدارة الفقر والبطالة بوسائل أخلاقية لا تمسّ المنظومة النيوليبرالية، ولكنها تحشد الجمهور وراء استبدادية متنامية ضد الحريات السياسية والمدنية.
فمن كان يعوّل على الإخوان لحل الأزمة الاقتصادية، فليعلم بأن كل ما لديهم في هذا المجال هو صندوق النقد الدولي وشروطه، ومَن كان يعوّل على المقاومة، فليس لدى الإخوان سوى بيانات الاحتجاج الخجولة ضد ممارسات الاحتلال وليس الاحتلال نفسه، ومن كان يعوّل عليهم في الحرية، فلينظر إلى القمع السافر للمعارضين والصحافيين في تونس ومصر، ومَن كان يعوّل على الاستعانة بهم لإطاحة البزنس مان، فليسأل محمد مرسي عن أخيه خيرت الشاطر وعن أعضاء الوفد المصري إلى الصين حيث تحققت الوحدة الوطنية بين رجال الأعمال المحسوبين على حسني مبارك ونظرائهم المحسوبين على الإخوان.
***
من حسن حظ الأردن أنه رأى ويرى كل ذلك، إلا أنه ما يزال ينتظر ويفتقر إلى الإرادة السياسية لبناء جبهة وطنية تتصدى لأخطار المرحلة المقبلة، جبهة تندرج فيها البيروقراطية والقوى الوطنية والشعبية، لإعادة بناء الدولة على أساس دسترة وقوننة فك الارتباط وتصفية الفساد والخصخصة والتنمية الشعبية في المحافظات.
لا تزالون مترددين و تظنّون أن الوقت كاف والخطر بعيد؟ لا تزالون تعوّلون على واشنطن؟ والسعودية؟ ولا تزال لديكم الجرأة للعبث بآخر مقدرات الوطن المالية والاستثمارية في الضمان الاجتماعي؟ ولا تزال تداعبكم الآمال بالتفاهم مع الإخوان لإجراء الانتخابات وبدء المرحلة الجديدة؟ وإلا، فأين القرار الغائب في حل البرلمان وإقالة الحكومة وتحديد موعد الانتخابات، وهو قرار سوف يحسم، أيضا، معركة التسجيل؟
الوقت ضيق جدا والتفاعلات الإقليمية والدولية على نار حامية. وألفت انتباهكم فقط إلى أن الغضب الشعبي قد تجاوز كل الحدود، وإلى أن الإخوان المسلمين يشعرون باقتراب الموعد، وإلا فما معنى قيامهم بتشكيل ‘ المجلس الأعلى للإصلاح’ من جماعتهم وحزبهم لا غير. إنهم حتى لم يعودوا بحاجة إلى حلفاء.
العرب اليوم