“صفحة جديدة”

هدد الامين العام لحزب الله, حسن نصر الله, اسرائيل, بمعركة ‘تغير وجه المنطقة’ ونحن نعلم ان هذا التهديد ليس باجوف. فحزب الله تمكن, بالفعل, من هزيمة العدوان الاسرائيلي في صيف ,2006 وجدد قواه العسكرية, وطوّرها في وقت قياسي, واعلن, من خلال مناورة واسعة, الاسبوع الماضي, عن استكمال جاهزيته لصد عدوان محتمل, وتحويل الدفاع الى هجوم.هزيمة اسرائيلية جديدة واضحة امام المقاومة اللبنانية, سوف تُلحق ضربة موجعة جدا بالقدرة الردعية والمكانة السياسية الاسرائيلية المتدهورة اصلا. لكن تغيير وجه المنطقة يحتاج الى ما هو اكثر بكثير من ذلك, وفي ميدان اكثر تعقيدا من الحرب, اعني تغيير علاقات القوى الاجتماعية – السياسية في المشرق العربي, لصالح وحدة وتقدم الفئات الشعبية. وهذه عملية تاريخية مديدة, لا يمكن حسمها في معركة واحدة. على ان هذه المعركة تلزم كبداية للتغيير. وبالعودة الى صيف ,2006 نستذكر كيف ان ضعف الجاهزية السياسية لحزب الله, ضيع اللحظة التاريخية للنصر, تلك التي كانت ممكنة, في رأيي, بمبادرة حزب الله المنتصر الى كسر السياق المذهبي وتوحيد المقاومات في لبنان والعراق وفلسطين.
على الجانب المضاد, اعلن الرئيس الفلسطيني, محمود عباس, بدوره عن ‘صفحة جديدة في تاريخ الشرق الاوسط’ سوف يفتحها مؤتمر ‘انا بوليس’, من خلال اتفاقية سلام مؤملة بين السلطة الفلسطينية واسرائيل.

لا احد يأمل من ‘انا بوليس’ شيئا سوى الرئيس الفلسطيني. وامله ليس بأجوف ايضا, ذلك انه يتحدث عن تطور استراتيجي ميداني وسياسي في العلاقة بين سلطته والاسرائيليين, تم انجازه فعلا في الاصطفاف في مواجهة القوى والمجموعات الرافضة لـ ‘التعاون’, وفي مقدمتها ‘حماس’, بل في مواجهة ‘التدخلات’ العربية, من قبل الممانعة السورية او من قبل اشتراطات المعتدلين العرب, وخصوصا الاردن, للتوصل الى حل شامل للقضية الفلسطينية, يكفل المصالح الحيوية للنظام العربي.

ولعل هذا هو السر وراء تشاؤم العرب, ممانعين ومعتدلين من نتائج ‘انا بوليس’ وتفاؤل عباس الذي تجاوز الامل باحراز تقدم في العملية السلمية الى الامل في ‘صفحة جديدة’ في المنطقة, تكون فيها ‘السلطة’ شريكا استراتيجيا للتحالف في ‘الحرب على الارهاب’.

نستطيع تلخيص الموقف الآن, اذن, كالتالي: بينما يكرر النظام العربي, التأكيد على استراتيجية السلام القديمة – المتبلورة في المبادرة العربية العتيدة – فإن حزب الله والسلطة الفلسطينية, قررا الانتقال الى ‘صفحة جديدة’ كليا: الاول من خلال التصعيد حتى الحرب الشاملة مع اسرائيل, والثانية من خلال التصعيد حتى التحالف الشامل معها.

واذا ما نحينا الاعتبارات العقلانية, بالنسبة لحزب الله, والقومية, بالنسبة لـ ‘السلطة’, فسوف نرى انهما يتخذان, كلاهما, موقفا واقعيا هو مصدر تفاؤلهما, بينما يتخبط النظام العربي في اوهامه بين المثابرة العاجزة والعجز المتشائم.

لا حل وسطا في العلاقة مع اسرائيل: فإما القتال بلا حسابات, واما الخضوع بلا شروط. ومأساة النظام العربي- ومن ضمنه سورية – انه ليس قادرا على او راغبا في القتال ضد اسرائيل, مثلما انه لا يستطيع الخضوع لمتطلباتها ضد مصالحه بالذات.

Posted in Uncategorized.