خلال الأسابيع الأخيرة، تغيّر اتجاه الريح في مطبخ القرار الأردني نحو الانضمام إلى الحملة الغربية التركية الخليجية ضد سورية. وبينما كانت عمان قد ثابرت، بصورة مرنة ولكن واضحة، على اتباع سياسة النأي بالنفس عن الحريق السوري، فإن المؤشرات المعاكسة، بدأت بالظهور. فلقد تم استقبال قادة الإخوان المسلمين السوريين والتباحث معهم بصورة رسمية، كذلك تأخر، بصورة غير منتظرة،إعادة طائرة الميج 21 التي فر بها الطيار السوري المنشق إلى الأردن منذ حوالي الأسبوعين. وهو ما حدا بدمشق إلى التشكيك العلني بوجود قرار لدى السلطات الأردنية بإخضاع الطائرة المحدّثة للمعاينة المعلوماتية. وتتوالى الأنباء التي لم يجر بعد تأكيدها عن تحضيرات عسكرية على الحدود. Body :
خلال الأسابيع الأخيرة، تغيّر اتجاه الريح في مطبخ القرار الأردني نحو الانضمام إلى الحملة الغربية التركية الخليجية ضد سورية. وبينما كانت عمان قد ثابرت، بصورة مرنة ولكن واضحة، على اتباع سياسة النأي بالنفس عن الحريق السوري، فإن المؤشرات المعاكسة، بدأت بالظهور. فلقد تم استقبال قادة الإخوان المسلمين السوريين والتباحث معهم بصورة رسمية، كذلك تأخر، بصورة غير منتظرة،إعادة طائرة الميج 21 التي فر بها الطيار السوري المنشق إلى الأردن منذ حوالي الأسبوعين. وهو ما حدا بدمشق إلى التشكيك العلني بوجود قرار لدى السلطات الأردنية بإخضاع الطائرة المحدّثة للمعاينة المعلوماتية. وتتوالى الأنباء التي لم يجر بعد تأكيدها عن تحضيرات عسكرية على الحدود.
وربما تكون هناك مؤشرات ومعطيات أخرى سوف تتكشّف تباعا، لكن المؤشرات السياسية هي الأهم. فبصورة مفاجئة انقلبت السياسة الرسمية نحو التقارب مع الإخوان المسلمين الأردنيين، وتمت الاستعانة بالمفتاح الحمساوي للتوصل نحو تفاهمات داخلية، بل لقد تم استقبال ‘ المواطن الأردني’، خالد مشعل، في القصر، وعلى مستوى رئاسي، وأعلن بيان صحافي بثته وكالة الأنباء الرسمية بترا، عما يمكن اعتباره تفاهما استراتيجيا بين الطرفين على أساس القبول الحمساوي بـ ‘ مبادرة السلام العربية’، والقبول الرسمي الأردني، بالمقابل، بدور حمساوي داخلي في الأردن يسهم في تحجيم سقف المطالب السياسية لـ ‘ الإخوان’ الأردنيين في حدود المراجعة المقترحة لقانون الانتخاب العام، أي بحدود زيادة مقاعد الدائرة الوطنية من 17 إلى 27 مقعدا.
ولم يتسنّ لنا معرفة فحوى اللقاءين اللافتين اللذين أجراهما وفدان من حماس وإخوان الأردن مع مدير المخابرات العامة. لكن الحوار مع المستوى الأمني الأردني كان، على الدوام، مطلبا حمساويا وإخوانيا، ما يشير إلى وجود ملفات ملحة لا علاقة لها بالإصلاح السياسي، وتبقى في كواليس حماس و’ الإخوان’، ونظن أنها قد تكون في طريقها إلى مخارج مُرضية للطرفين.
على كل حال، لا شيء سيظل طي الكتمان، والمهم الآن هو أن التحالف بين عمان والحركة الإخوانية على المستوى الإقليمي والمحلي، يُطبَخ على نار حامية. وفي رأينا أن هذا التحالف أصبح ضرورة ماثلة لضمان وجود غطاء سياسي شعبي للتدخّل في سورية. وهو تدخل مستحيل من دون ترتيب الوضع الداخلي.
للإخوان المسلمين أجندة أردنية، لكنهم مستعدون لطيها، مؤقتا، لتأمين مشاركة الأردن في أجندتهم السورية. بل إن القرار هنا ليس قرارا محليا ، وإنما هو قرار الدوحة والتنظيم الإخواني الدولي. وبالإضافة، فإن لحماس وتيارها المتحكم اليوم بإخوان الأردن، مصلحة استراتيجية في التفاهم مع عمان في الملفات الفلسطينية. وبصورة رئيسية، فإن حماس ـ الخارج بقيادة خالد مشعل، لم يعد بإمكانها تلافي ضعفها وانحلال دورها السياسي، الناجمين عن مغادرتها دمشق، إلا بالتموضع في المنصة الأردنية.
شعوري أن الأردن يدخل الآن في مغامرة بالغة الخطورة، داخليا وخارجيا، وأرى أن الفواتير المتوجب تسديدها للتدخل في سورية، باهظة جدا، أولا، لجهة امكانية العودة مع حماس وإخوانها المحليين إلى معادلة 1968 ـ 1970، وثانيا، لجهة التنازل عن الثوابت الخاصة بالهوية الوطنية الأردنية، وثالثا، لجهة التورّط لاحقا باستقبال هجرتين خطيرتين من سورية؛ وأعني هجرة التنظيمات المسلحة والقاعدة وهجرة مدنية كثيفة من أوساط اللاجئين الفلسطينيين من المخيمات السورية، ورابعا لجهة التورّط العسكري في حال الفشل ـ وهو احتمال كبير ـ وفي حال النجاح، وما يترتب عليه من تبعات لا يستطيع الأردن احتمالها.
هناك وهم بأن التدخل الأردني في سورية سيكون آمنا في النهاية، وسيمكن النظام من تجاوز أزمته السياسية والمالية معا. لكن مستوى الصراع في سورية وحدته وشراسته وتوفره على عناصر الاستدامة ومضمونه التاريخي وطابعه الإقليمي والدولي، كل ذلك يصب بالنسبة للأردن ـ في حجمه وقدراته وتناقضاته ـ في خيار آمن وحيد هو خيار النأي بالنفس. وما عدا ذلك مغامرة كبرى .
العرب اليوم