عودة الأمير

هناك العديد من المعطيات التي تؤشّر إلى عودة الأمير الحسن، إلى الميدان، للقيام بدور سياسي ربما رآه الملك مفيدا. ويُعدّ ذلك، من وجهة نظر عدّة أوساط اجتماعية، تطورا إيجابيا.وفي هذا السياق، كتب الأمير الحسن مقالا بمناسبة عيد الإستقلال، وزّعته وكالة الأنباء الرسمية(بترا) ما يخرجه من دائرة الرأي الشخصي إلى كونه مداخلة شبه رسمية.
في رأيي أن الأمير، بوصفه مثقفا، ما زال يقف في منطقة ومنطق الثمانينيات. وقد رسّخ مقاله بعيد الإستقلال، قناعتي بأنه لم يلحظ، بعد، عمق التغييرات التي شهدها المجتمع الأردني في العقد الأخير.
على سبيل المثال، فإن الكلام المثالي المسهب في تحفيز الأردنيين على التعاضد الأخوي، كان له بعض من معنى قبل ربع قرن حين كان الأردن بلدا تقليديا بلا ملامح طبقية، لكننا اليوم نعيش في مجتمع طبقي، يسيطر 2 بالمئة من أبنائه على 60 بالمئة من الثروات والفرص، بينما أصبح لدينا ثلاثة ملايين من المفقَرين بينهم 870 ألفا من الذين تنطبق عليهم المعايير الدولية كجوعى، بمعنى أنهم لا يحصلون على السعرات الحرارية والفيتامينات الكافية للجنس البشري.
في الأردن اليوم عشرات من أصحاب المليارات ومئات من أصحاب مئات الملايين وآلاف من أصحاب الملايين وبرجوازية متنامية تلعب دور الوكيل للمصالح والاستثمارات الأجنبية. ونستطيع القول مطمئنين إلى أن هذه الثروات الضخمة قد تم بناؤها على حساب الدولة الأردنية ـ بالخصخصة والفساد ـ وعلى حساب المحافظات والأغلبية الشعبية التي تم إفقارها وتهميشها وقفل أبواب الفرص أمام أبنائها.
يغرق بلدنا اليوم في مأزق مالي مستعص من المديونية والعجز والفشل الإقتصادي. وهما مأزق وفشل ناجمان عن سياسات لم يُستَشَر الشعب الأردني فيها، بل إن قواه الحية طالما نددت بها وعارضتها. أفلا يستوجب الحس بالمسؤولية،إذاً، النقد الذاتي والإعتراف بالخطأ والإقرار بفشل النهج النيوليبرالي ومحاكمة الفاسدين واسترداد الأموال المنهوبة، قبل الطلب من شعبنا أن يتحمّل المزيد من الأعباء والقبول بالتعاون؟
لكنني، إلى ذلك كله، وقفتُ مندهشا أمام نقطتين ذكرهما الأمير في مقاله، النقطة الأولى هي الحديث عن الدولة الأردنية باعتبارها نتيجة لعوامل غير أردنية. وهذه العوامل موجودة بالطبع، وقلما توجد دولة حديثة لم تلعب العوامل الخارجية، دورا في قيامها، لكن الدولة الأردنية ـ كما الدول الوطنية الأخرى ـ لها نواتها الداخلية وشرعيتها الوطنية الخاصة بشعبها ومجتمعها وحركتها الوطنية. وهي حقيقة بدهية حُرمَت الدولة الأردنية من الإعتراف بها نتيجة الإلحاح على كونها نتيجة فرعية للثورة العربية الكبرى أو نتيجة الإلحاح المضاد على أنها صنيعة الإنجليز وأنها ‘ كيان عازل’ ..الخ. والصحوة الأردنية اليوم ترفض الخضوع لهذه الأفكار، وترى في الدولة الأردنية محصلة لإرادة ونضال الشعب الأردني منذ مؤتمر أم قيس 1920.
النقطة الثانية تتعلق بالعودة إلى مفهوم ‘ الأصول والمنابت’. وهو مفهوم يفترض أن الوطنية الأردنية هي وطنية جماعات من البدو والمهاجرين. وكان الرئيس الأميركي السابق، بيل كلنتون قد بلوره صراحة حين تحدث في البرلمان الأردني عن الأردن باعتباره، كالولايات المتحدة، ‘ مجتمع مهاجرين’. وهذا مناف للمعطيات الاجتماعية والسياسية والثقافية التي ميزت البلد في إطار الشام، ويصطدم بالشرعية التاريخية للوطنية الأردنية المعبّرة عن مجتمع وسيادة وعلاقات وجغرافيا اجتماعية كانت قد تبلورت قبل انهيار الإمبراطورية العثمانية.
على أن الوطنية الأردنية ليست طاردة ولا متعصبة؛ فهي أدمجت المهاجرين الراغبين في بناها الاجتماعية والسياسية والثقافية. ولكن تحت سيادتها وفي إطار هويتها. لا منابت ولا أصول ولا هويات في الأردن، وإنما هوية وطنية واحدة ليس أمام أي مهاجر ـ بغض النظر عن ظروف هجرته ـ سوى الإنضواء غير المشروط فيها، ووفقا لمتطلبات الشرعية الوطنية التاريخية لمَن نحتوا هذا الوطن في الصخر منذ الحارث الأول.

العرب اليوم

Posted in Uncategorized.