تستطيع فرنسا الاشتراكية أن تهتم بشؤونها ولا تخسر شيئا من انكفائها عن المساهمة في الحملة ضد سورية, وحجم تركيا الإقليمي يمكنها من ترميم موقفها, وتملك السعودية القدرة والبدائل للنزول عن الشجرة السورية, لكن قَطر هي وحدها التي وضعت كل أوراقها على الطاولة; قامرت بسمعتها وبنفوذها العربي و’ جزيرتها’ وبعلاقاتها الوثيقة السابقة مع المحور الإيراني السوري اللبناني, ومع العراق, ومع روسيا والصين ودول البريكس, وراهنت على امتلاك جوهرة التاج العربي, سورية. وها هي تخسر الحرب; فهزيمة مشروع إسقاط نظام الرئيس بشار الأسد بالقوة انتهى, بل صمد النظام وتماسك واستعاد المبادرة السياسية واستوعب أقساما من المعارضة الوطنية, وأجرى انتخابات نيابية ناجحة جزئيا, بينما تفككت المعارضة الخارجية والمعادية, وفقدت زخمها السياسي ولم يبق في يدها سوى المليشيات والخلايا الإرهابية.
قَطر تحاول اليوم استدراك مصيرها في المشهد الإقليمي المقبل, مدركة أن دمشق ستكون في قلب المعادلات الجديدة للقوى الصاعدة من قلب آسيا إلى شواطئ المتوسط.
وفقا لصحيفة ‘الأخبار’ اللبنانية, قامت شخصية عربية بزيارة مفاجئة إلى دمشق, محملة بعرض قَطري لمبادرة مصالحة في سورية, تقترح ‘صيغة لبنانية’ للحل في سورية: رئيس من الطائفة العلوية ورئيس وزراء بصلاحيات من الطائفة السنية ورئيس برلمان مسيحي ومساعد كردي الخ, على ان يتكرس ذلك في مؤتمر للمصالحة السورية في الدوحة, وتنتهي الحملة الخليجية والتصعيد العسكري والإرهابي ضد سورية. الخطوة الأولى في هذه العملية السياسية, حسب الاقتراح القَطري, تكليف شخصية من جماعة الإخوان المسلمين بتشكيل الحكومة السورية الجديدة.
دمشق ردت بكلمة واحدة : المبادرة ‘مرفوضة’.
المبادرة والرفض, يدلان على ميزان القوى الجديد في المنطقة. الخليج ورأس حربته القَطرية في بداية النهاية, وستتوالى منذ الآن ‘ المبادرات’ التصالحية مع الرئيس الأسد, وتتراجع في محتواها إلى حيث يريد: الاعتذار العلني عما ألحقته الحملة المعادية من خراب وتشققات ومواجهات طائفية …
نذكر بأن المشروع القَطري سقط أولا في الأردن. أخرج القَطريون خالد مشعل – وصحبه – من دمشق ليقيم في عمان..التي تجاوزت الضغوط, ورفضت استعادة النموذج الفتحاوي لنهاية الستينيات, ثم رفضت الخضوع لمسار سياسي مفبرك خارجيا, يأتي برئيس حكومة من الإخوان المسلمين, ويحوَل الأردن إلى محمية قَطرية.
الخطوة الأردنية الأكثر عقلانية وضرورة الآن هي فتح الخطوط مع المحور العراقي السوري الناشئ.
كانت عمان تتكئ, منذ مطلع السبعينيات, على دمشق أو بغداد. التطور الإيجابي الحاصل الآن انه يمكننا الاتكاء على العاصمتين معا.
هيا بنا إلى محور جديد!
العرب اليوم