حين تم تكليف عون الخصاونة برئاسة الوزراء, هتف له الاخوان المسلمون في الشارع قائلين’ المصلح هيّو جاي’. الخصاونة, على ذاتيته المتضخمة, ليس عنده اي تصوّر اصلاحي, لكنه امسك بتلابيب فكرة سياسية واحدة مفادها ان ترتيب العلاقة مع ‘ الاخوان’, سوف يخلق الارضية لحل سحري لكل المشكلات القائمة في البلاد.
حتى هذه الفكرة السطحية ليست من ابداعه, وإنما هي واحدة من الافكار الاستشراقية التي تم تداولها على هامش الربيع العربي, وجرى سحبها من السوق لاحقا, بعدما تبيّن ان الازمات العربية المتشابكة اكبر كثيرا من هذا الاقتراح الذي يمثّل جوهر المشروع السياسي لحكومة الخصاونة.
ترتيب العلاقة مع ‘ الاخوان’ له ممر اجباري هو ترتيب العلاقة مع ‘حماس’. وقد اوجدت الازمة السورية, سياقا ملائما لعقد صفقة كبرى مع القادة الحمساويين برعاية قطر التي اخرجتهم من دمشق, في اطار خطة شاملة تتضمن تأهيل ‘ حماس’ لتكون المفاوض الرئيسي مع اسرائيل. هذه الخطة ليست ممكنة الا بترتيبات شاملة مع الاردن, تسمح ليس فقط بانتقال القيادة الحمساوية الى عمان, بل,أيضا, بنقل ثقلها السياسي والتنظيمي الى البلاد, بما يذكّر بالوجود الفتحاوي وازدواجية السلطة في نهاية الستينيات.
وكان الخصاونة هو عنوان هذا المسار الذي واجه اعتراضا اردنيا شديدا, سواء على المستوى الشعبي ام على مستوى مؤسسات النظام, وفي مقدمها الملك الذي ادار ازمة الضغوط القَطرية والاخوانية بشأن عودة ‘حماس’, وانتهى الى افشالها. في هذه اللحظة,بالذات, انتهت حكومة الخصاونة سياسيا, وأصابتها, كما كتبتُ في حينه, ‘ شيخوخة مبكرة’.
رئيس وزراء ووزير خارجية قطر, صاحب المشروع, حمد بن جاسم, ادرك ان لحم الاردنيين مرّ, وانتقل الى موقف عدائي صريح نحو الاردن, بينما استمر الخصاونة في مساعي التفاهم المحلي المجزوء مع ‘ الاخوان’. لكنها ظلت مساعي تحدث في الفراغ; ذلك انه لا توجد امكانية لتفاهم كذاك الا في سياق اقليمي يتمثّل في (1) عودة ‘حماس’, سياسيا وتنظيميا الى الاردن, و(2) المواجهة مع سورية. وعدا عن ذلك, فسيظل ‘ الاخوان’ خارج ايّ تفاهمات محلية.
وعلى هذه الخلفية, استمر الخصاونة يقطّع الوقت ويسوّف سواء لجهة الحل البرلماني كما تريد النخب ام لجهة الحل الاجتماعي كما يريد الحراك الشعبي. وقد تمسّك بالولاية العامة بهذا المعنى بالضبط, اي بما يمكنه من مواصلة مشروع ميت, لا بما يمكنه من التصدي للحلول السياسية او الاجتماعية. ونلاحظ, هنا, انه لم يحتجّ, بالاستقالة, على تبرئة الفاسدين او اعتقال نشطاء الحراك او تعطيل التنمية في المحافظات, وإنما على قرار بتعجيل اقرار قانون الانتخاب العام, وبالتالي الانتخابات, مما يضع حدا لمساعيه المستمرة للتفاهم المستحيل مع ‘ الاخوان’.
اصطدم الخصاونة, اخيرا, بجدار فشله, وتصرّف بنزق دفعه لاستخدام صحيفة من خارج الاردن, لكي يستعرض بطولات وهمية, ثم ليعلن استقالة مسيئة للبلد كله اثناء زيارته لعاصمة ‘ اخوانية’!
الثاني بعد محمد داود (المستقيل في القاهرة 1970) نعم. وفي الخط نفسه.
العرب اليوم