لا فزّاعة ولا مؤامرة .. إنه سياق ..

الوطن البديل ليس فزّاعة. ومَن يعتبره كذلك ليس سوى أحد اثنين: ساذج أو شريك في المشروع. لكن الوطن البديل ليس, أيضا, مؤامرة, ولا عملية انقلابية. فلن يكون هناك تغيير لاسم الدولة الأردنية ولا علمها ولا كيانها الدولي الخ وليس مطروحا أبدا, من وجهة نظر أصحاب المشروع من أميريكان وصهاينة وكمبرادور, قيام دولة فلسطينية في الأردن, وإنما التغيير يلحق (كما هو حاصل فعلا) بمكوناتها الديموغرافية السياسية وتركيبتها الاجتماعية وهويتها ومضمونها. وهكذا, فإن إلحاح رئيس الوفد الأردني إلى مفاوضات السلام مع إسرائيل, الدكتور عبد السلام المجالي, مجددا, على أنه, بعمله في الـ 94 ، ‘ دفن’ الوطن البديل, ناجم عن تقديره أن الوطن البديل يعني دولة بديلة ونظاما بديلا. وهذا, بطبيعة الحال, وهم لا يحتاج إلى الدفن أبدا.
الوطن البديل هو سياق (سلسلة من العمليات) بدأ منذ سياسة الجسور المفتوحة بعد 1967 ، وتسديد فواتير الدور الأردني في الضفة الغربية على رغم إرادة أهلها وقواها الوطنية, ثم تعمّق بفصل اللاجئين والنازحين في الأردن عن وحدة الشعب الفلسطيني, وتكرّس في معاهدة وادي عربة عام 1994 ، والتي نصت في مادتها الثامنة على التوطين, ثم في سياسات تسهيل الهجرة والتجنيس والتوطين, المستمرة حتى الآن.

يتكوّن سياق الوطن البديل من ثلاث عمليات متعاضدة هي :

أولا, عرقلة قيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة وقدرة على إعادة بناء المجتمع الفلسطيني واستيعاب النازحين من أراضي الـ 67 ، بل وحتى استيعاب الزيادة السكانية الطبيعية لمواطني الضفة وغزة. وذلك باستمرار الاحتلال وتوسّع المستوطنات وتمزيق الضفة الغربية ومحاصرة غزة الخ وكذلك رفض عودة اللاجئين إلى وطنهم في مناطق الـ 48 .

ثانيا, وينتج عن التعايش الفلسطيني والعربي والدولي مع هذه السياسات الإسرائيلية المعادية, بل المدمرة للشعب الفلسطيني, مشكلة ديموغرافية تم التوافق الضمني بين الأطراف على حلها في الأردن. ولكن هذا الحل لن يكون جذريا وثابتا إذا لم يؤطّر سياسيا في البلد المضيف. وهو ما طرح على بساط البحث مطالب ما يسمى الحقوق المنقوصة والمحاصصة السياسية الخ.

ثالثا, ولتلبية تلك الحقوق المنقوصة وإجراء المحاصصة, لا مناص من تغيير الهوية الوطنية الأردنية ليس باتجاه فلسطنتها وإنما باتجاه تغييبها لصالح نمط لا وطني عولمي يركّز على أولوية قيم البزنس وينبذ التراث والوطنية ومباديء التقدم الاجتماعي الخ ولأن الوطنية الأردنية ارتكزت, تاريخيا, على الدولة والقطاع العام , كان لا بد من تفكيكهما. وهو ما عشناه ونعيشه منذ سيطرة النيوليبراليين على مفاصل القرار.

على هذه الخلفية, نلاحظ أن الحركة الوطنية الاجتماعية الصاعدة في بلدنا منذ سنتين, تربط بين الهوية الأردنية والعداء لإسرائيل والمطالب الاجتماعية الجذرية, وفي مقدمتها استعادة القطاع العام.

الوطن البديل هو, إذاً, سياق من العمليات اللازمة لتوفير وتشكيل إطار ملائم لاستيعاب المشكلة الديموغرافية السياسية للاغتصاب والاحتلال الاسرائيلي لفلسطين. وقد كرسته معاهدة وادي عربة, لأنها قبلت بالصلح مع إسرائيل, قبل الانسحاب من الضفة وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعودة اللاجئين.

العرب اليوم

Posted in Uncategorized.