نحن في مشهد صراعيّ. ونتائجه حتى الآن تصبّ في مصلحة الولايات المتحدة وإسرائيل, لكنني اعتقد أن الهجمة الغربية الخليجية الإخوانية انتقلت إلى وضع دفاعي. وإذا ما تمكنت سورية من تصحيح مسارها الاقتصادي والاجتماعي والسياسي, فقد نكون في عشية متغيرات استراتيجية كبرى.
أولا, نشوء محور دولي إقليمي عربي يمتدّ من الصين إلى روسيا إلى إيران إلى العراق ( الذي سيكون مضطرا لتعديل توجهاته للتلاؤم مع السياق المتشكّل ) إلى سورية إلى لبنان المقاوم.
هذا المحور سيقزّم تركيا والدور التركي ويضغط على الخليج, ما يفتح أبوابه أمام رياح التغيير. وعلينا أن نقدّر, في هذه الحالة, التغّير الممكن في موازين القوى مع إسرائيل. هل سيؤدي ذلك إلى اشتداد وتوسع نطاق المقاومة أم انه سيفرض ستاتيكيو طويل المدى أم أنه سيقود إلى تسوية على المسار السوري اللبناني بشروط الحد الأدنى السورية? هذه أسئلة مطروحة, وتنبني عليها رؤى واستراتيجيات.
ثانيا, في الأزمة, اكتشف بلدان عربيان أن كيانيهما ومستقبليهما مرتبطان بسورية, أعني لبنان والأردن. وفي رأيي أن تحولا ديمقراطيا اجتماعيا في سورية مزدهرة اقتصاديا ومرتكزة إلى محور دولي, سوف يطرح على البلدين, ضرورة التوصّل إلى صيغ اتحادية في بلاد الشام من شأنها أن تُخرج الجميع من الأزمات المحلية, خصوصا الاقتصادية.
وإذا كان من الواضح أن العراق لن يكون خليجيا, فهل يمكنه العيش في معزل تحت النفوذ الإيراني المباشر? وهل يمكن التفكير في تجمّع جديد في المنطقة يعبّر عن تلاقي مصالح بلدان الهلال الخصيب, في صيغة مجلس تعاون أو صيغة أرقى?
ثالثا, في القضية الفلسطينية, هل يمكن تخيّل التطورات المار ذكرها أو بعضها أو اقلها في نجاة سورية واستعادتها دورها, من دون أن تنعكس على السياسة الفلسطينية? هل ستبقى الانعزالية التي التحق بها مؤخرا الحمساويون أيضا ممكنة? ام أن وحدة فتح حماس في السياق الخليجي ستنتهي إلى أوسلو 2 ? ومع ذلك, هل عاد العامل الفلسطيني حاسما أو حتى أساسيا في الصراع العربي الإسرائيلي, خصوصا إذا تموضع هذا الصراع مجددا في صراع قطبية دولية جديدة ?
رابعا, ربما كان على القوى الوطنية في المشرق ألا تضع مصر في حساباتها لفترة طويلة مقبلة. فمصر في حال من الانهاك الاقتصادي الاجتماعي الثقافي لا يُرجى منه, حتى بعد ثورة مكتملة, دورا قوميا في وقت قريب. لكن التاريخ لا ينتظر أحدا. أكثر ما يمكننا أن نتوقعه هو أن إسرائيل خسرت الحليف المصري من دون أن نتوهم بأننا كسبناه. لا يزال أمام مصر من المهمات الداخلية ما يجعلها خارج حساباتنا لزمن قد يطول.
العرب اليوم