المشهد السوري في شموليته

كل الاتجاهات والصراعات في المنطقة تتمفصل في المشهد السوري,
أولا, عرفت سورية المَرضين العربيين اللذين خوّرا دول الاعتدال, فمن جهة رأينا النخبة السورية, منذ إعلان دمشق, تنحو نحو الإيديولوجية الليبرالية الغربية المبتوتة الصلة بمبادئ التحرر الوطني والتقدم الاجتماعي, تلك المباديء المعتبرة عند اوساط واسعة من تلك النخبة, شيئا من الماضي, ومن جهة أخرى, رأينا كيف خضع النظام السوري الممانع ونصير المقاومة بحقّ, لمتلازمة النيوليبرالية الكمبرادورية والفساد والاستبداد. اي أننا في سورية إزاء حالة تشبه الحالة المصرية, مع فارقين (1) أن النخبة الليبرالية المصرية تبقى وطنية, في حين أن نظيرتها السورية وصلت إلى مستنقع استدعاء الاستعمار والإرهاب لتمكينها من حكم لن تناله لأن موازين القوى تميل جذريا نحو قوى الإسلام السياسي. (2) أن المتلازمة المذكورة أعلاه لم تستطع بعد أن تدمّر أساسيات الاقتصاد السوري كليا, ولم تأخذ الوقت الكافي لتحطيم كل الفئات الاجتماعية السورية; ذلك أنه لا يزال في سورية, عناصر وطنية في النظام وجيش وطني وفئات برجوازية تقليدية وبرجوازية متوسطة وصغيرة متنورة تؤمن بالحياة المدنية وقوى اجتماعية شعبية منتظمة ومتموضعة في سياق إنتاجي. ومن الواضح أن التحالف بين هذه القوى أنقذ سورية من السقوط في أيدي التحالف الغربي الخليجي. لكن, بالمقابل, فإن الكتل الجماهيرية المفقرة والمهمشة والمتعصبة التي تسير وراء الإسلام السياسي وتقدم الحواضن الاجتماعية للإرهابيين, لم تهبط من السماء ولم تتسلل إلى سورية, بل كانت نتاج متلازمة النيوليبرالية والفساد والاستبداد. وهو ما يطرح في سورية, في موازاة ضرب الإرهاب, ليس ما يسمى الإصلاح السياسي, واعني برنامج النظام لمغازلة النخب الليبرالية, إنما الخلاص من تلك المتلازمة الخبيثة.

من الناحية الاستراتيجية, ظهرت سورية بوصفها عقدة المشرق وصورته. هي عقدته لأنه تبين, بالملموس, أن سقوط سورية سوف يفتح المشرق كله أمام إسرائيل, وينتهي بالبلدان المجاورة إلى حروب أهلية طاحنة, لتدمير المقاومة في لبنان, وإقامة الوطن البديل في الأردن, وتمزيق الكيان الوطني في العراق.

في ظل هكذا سيناريوهات لانفجار المشرق نهائيا, سوف تنتهي إيران إلى انكفاء شامل, لكن المتضرر الأكبر من حيث الحجم والدور والطموح سيكون روسيا. موسكو ستفقد, في ضربة واحدة, جميع حلفائها القائمين والمحتملين في المنطقة التي ستخضع, حينها, للتقاسم الإسرائيلي التركي في ظل السيطرة الأمريكية الأطلسية الممتدة حتى إلى الداخل الروسيّ.

سورية ظهرت كعقدة صراع محلي وإقليمي ودولي. لذلك, تكوّن فيها وحولها حلف لم يعد ممكنا كسره, ولم يعد بأيدي النخب الليبرالية المتحالفة مع الاستعمار والإرهاب وموضوعيا مع إسرائيل, سوى لطم الخدود. الإسلام السياسي السوري, بدوره, يستعد لتجرّع هزيمة جديدة. وقد غدا مضحكا كل هذا الزعيق الخليجي التركي الفرنسي, فمآله من الناحية الاستراتيجية اليوم, سلّة المهملات التاريخية. فالولايات المتحدة الأميركية اضطرت, أخيرا, للاعتراف بميزان القوى الجديد مع روسيا والصين, وستحاول, إذاً, التركيز, من الآن فصاعدا, على حماية مكاسبها في المغرب وتونس وليبيا ومصر وفلسطين, والإستمرار في حماية الخليج من حدوث متغيرات عميقة.

وظهرت سورية, كذلك, بوصفها صورة المشرق المتحضرة, بفسيفسائها الطائفية والمذهبية والاثنية المنخرطة معا في حياة مدنية. واكتشفت جميع المكونات المشرقية أن مركزها هو سورية, بحيث ان ضرب الفسيفساء السورية, سيؤدي إلى تغيير صورة وتراث وروح المشرق.

العرب اليوم

Posted in Uncategorized.