ردت قوى الفساد على الهجوم الشعبي الكاسح الذي يستهدف محاصرتها ومحاسبتها سياسيا وتقديمها للقضاء, بتكتيك خلق فوضى الاتهام وخلط الاوراق. وفي مجتمع النميمة وتصفية الحسابات الشخصية, يلاقي هذا التكتيك نجاحا, خصوصا أن جهات رسمية وحكومية,أخذت تمارس, في الوقت نفسه, ضغوطا على مجلس النواب للتراجع عن فتح ملفات الفساد, وأثمرت الضغوط مثلا عن إغلاق ملف ‘برنامج التحوّل الاقتصادي والاجتماعي’, بحجة أنه مفتوح لدى الادعاء العام. وهي حجة بلا معنى لاننا أمام ملف سياسي بامتياز وليس مجرد ملف جنائي. وهذه هي المرة الثانية التي يغلق فيها البرلمان هذا الملف الذي تبيّن أن ‘هيئة مكافحة الفساد’ ملزوزة هي الاخرى لعدم التحقيق فيه. وبالخلاصة, يظهر أن مجموعة الليبراليين الجدد ما تزال تحظى بحماية سياسية.
وفي إطار تكتيك الفوضى والنميمة وخلط الاوراق, جرت فبركة قائمة بالاحرف الاولى من أسماء صحافيين متهمين بأنهم تلقوا أموالا من مدير المخابرات الاسبق, المتهم بقضية غسيل أموال, محمد الذهبي. وعلى هامشها جرت وتجري محاولات حثيثة لتشويه سمعة صحافيين ومثقفين معروفين بنضالهم المديد ضد الليبراليين الجدد وشبكة الفساد, بينما, ويا لسخرية القَدَر, يتم السكوت عن الصحافيين الذين كانوا وما زالوا يشنون الحملات ضد الكيان الاردني ويدافعون صراحة عن الفساد والخصخصة والتجنيس والتوطين.
ليس المهم هو انعدام الضمير في توزيع وتوجيه الاتهامات, وإنما انعدام العقل في قبولها من دون تمحيص صدقيتها ومضمونها واتجاهها واستهدافاتها. إن خلاصة ما يُراد قوله من ضجة قائمة الصحافيين هو أن الذهبي حشّدهم ضد باسم عوض الله البهلوان. وبالتالي, فإن كل النقد الموجه للاخير مدفوع الثمن ومشكوك في صدقيته.
البهلوان ليس مجرد شخص. إنه عنوان نهج الخصخصة المشبوهة وبيع ممتلكات الخزينة وتفكيك الدولة والهدر المالي والمشاريع الوهمية التي انتهت بكارثة اقتصادية واجتماعية. وهذا النهج متهم في ملفات محددة يتم التحقيق في بعضها القليل, لكن أكثرها محمي, كما هو حال ملف خصخصة شركة الفوسفات التي كشف النائب أحمد الشقران المخنوق من شدّة الضغوط أن 37 بالمئة من أسهمها بيعت بنصف السعر السوقي, ثم سُلمت إدارتها وأموالها إلى شركة وهمية, في سلسلة من المخالفات القانونية التي تسمح للحكومة باستردادها بلا كلفة. ولكن الحكومة منصرفة إلى معارك البقاء في الدوار الرابع.
إن العديد من الصحافيين والمثقفين والسياسيين واجهوا البهلوان وصحبه والنهج كله منذ العام 2001 ، وبعضهم باستمرار ومثابرة. وذلك, قبل أن يتولى الذهبي إدارة المخابرات, بل حين كان الرجل على علاقة وفاق مع البهلوان. ويمكن العودة إلى أرشيف الصحافة الاردنية, خلال العقد الماضي لمعرفة مَن هم الذين قاوموا الليبرالية الجديدة منذ البداية وحتى اليوم, ودفعوا الثمن غاليا, ومَن هم الذين اشتبكوا معها مؤقتا في فترة الذهبي, ومَن هم الذين دافعوا عنها وعن نهجها وشخوصها دائما.
القضية, أولا وآخرا, هي قضية سياسية لا شخصيّة. وعلينا أن ندرك أن القوى المعادية لبلدنا وشعبنا, القوى التي فككت دولتنا وأهدرت ثرواتنا وحولتها إلى ثروات خاصة وتآمرت على سيادتنا وهويتنا, تريد اليوم النجاة من المحاكمة الجنائية والسياسية من خلال لعبة الضغوط وخلط الاوراق. ولن تنجو.
العرب اليوم