(حزب الله) .. عن (الوطن البديل)

لم يسبق لحزب الله أن قال علنا أي شيء حول بلدنا. فجأة, أطلق أحد قياديي الحزب تحذيرا من مخطط لإقامة الوطن البديل في الأردن. السيناريو, حسب ذلك التحذير, مطروح حاليا. فهو مرتبط بمساعي إسقاط النظام السوري. وهو حدث, بغض النظر عن الموقف منه, سيخلّ, أقله على المدى المتوسط, بالتوازنات الإقليمية لصالح إسرائيل, ويغريها بالتحرك لتصفية القضية الفلسطينية بالعدوان والتهجير.
لكن ذلك مجرد احتمال إلى جانب احتمالين أقلّ دراماتيكية. الأول يتعلق بالفوضى في سورية وتبعاتها على الأردن سواء لجهة إعادة تهجير اللاجئين الفلسطينيين ¯ السوريين إلى الأراضي الأردنية, أو لجهة تسرّب عناصر من ‘فتح الإسلام’ ومنظمات سلفية جهادية أخرى من تلك التي تحظى برعاية آل الحريري في لبنان إلى الداخل الأردني, تحت شعار الجهاد, لكن هدفها الفعلي هو تحقيق أهداف البرجوازية اللبنانية المعروفة بالتخلص من فلسطينيي لبنان في الأردن. رفيق الحريري كان يطرح ذلك بصراحة. وربما يرى خلفاؤه اليوم أن خلق الظروف المواتية في الأردن لتحقيق ذلك الهدف, بات أمرا ممكنا, مما يسمح بتصدير الجهاديين واللاجئين معا إلى مكان ثالث.

الاحتمال الثالث يتعلق بإمكانية استيلاء الإخوان المسلمين على السلطة في سورية. وهو ما سيؤدي, تلقائيا, إلى محاولة استيلائهم على السلطة في الأردن. وعلينا أن ننتبه, هنا, إلى الميول المفاجئة غير المسبوقة عند الإخوان الأردنيين لاستعراض القوة, والتلويح باستخدام العنف. ولا أحسب أن هذه الميول مرتبطة بالتوازنات الداخلية التي لا تسمح بذلك. الأرجح أنها مرتبطة بتفاهمات إقليمية ودولية.

موقف الإخوان من الهوية الوطنية للدولة الأردنية, وعلاقتها السياسية بفلسطين, ملتبس بل غامض. فالإخوان يرفضون, كما هو معروف, قرار فك الارتباط, جملة وتفصيلا. وبينما توصلت القوى الأردنية إلى نوع من الإجماع على التمييز السياسي والقانوني بين الأردنيين من أصل فلسطيني الذين هم جزء من الشعب الأردني, وبين الفلسطينيين المقيمين بعد 1988 الذين هم جزء من الشعب الفلسطيني, فإن الإخوان المسلمين لا يتعاطون مع هذه المعادلة ‘ الدنيوية’ ولا ينظرون إلى الأردن بوصفه دولة وطنية, بل بوصفه ‘ أرض الحشد والرباط’. لكنهم سرعان ما ينقلبون إلى دنيويين حين يتعلق الأمر بالتجنيس أو بالنظام الانتخابي الذي يسمح لهم بالسيطرة على الحكم. ولا يخيف ذلك إسرائيل التي جربتهم في غزة وارتاحت إلى ذلك الفصام بين اللغة الجهادية وبين القدرة على الالتزام بهدنة مفتوحة, خصوصا وأن هذه الهدنة المفتوحة قد تم التوصل إليها الآن على المستوى الإقليمي كله, وبرعاية أميركية.

مَن يتابع نمط الممارسة السياسية لحزب الله, يدرك أن الحزب ينأى بنفسه عن التحليلات الصحفية والتصريحات المجانية. وسواء أكنا نحب حزب الله أم نبغضه, فلا نستطيع إلا الاعتراف بجديته وقدراته الاستخبارية. ولعلي أستطيع الجزم أن تحذير الحزب من مخطط إقامة الوطن البديل في الأردن, يصدر عن معلومات إستخبارية, ومغزى الكشف عن خلاصة المخطط المعني يشكّل رسالة سياسية إلى صنّاع القرار في عمان, برغبة التعاون.

ولحزب الله مصلحة أكيدة في هذا التعاون, تكمن فيما يلي: (1) عدم انجرار الأردن إلى التورّط في سورية, (2) التنسيق ضد ‘فتح الإسلام’ والمنظمات الشبيهة الأخرى, باعتبارها عدوا مشتركا, (3) كسر حلقات التمدد الإخواني في الأردن, حيث توجد, بخلاف الدول العربية المعنية الأخرى, معارضة شعبية واسعة لذلك التمدد, تحفزها اعتبارات وطنية.

تعيش الدولة الأردنية اليوم في مناخ استراتيجي مضطرب للغاية. وتحتاج مواجهة هذا المناخ إلى التخلي عن عادات التفكير التقليدية والانفتاح على الخيارات الممكنة والقيام بمبادرات جريئة. وهو ما تفعله الدول عادة في مراحل تبدّل الاصطفافات, حين ينقلب الصديق عدوا والعدو صديقا.

خيار التنسيق مع سورية وحزب الله, سيبدو لدى أوساط القرار خيارا ‘شيطانيا’. لكن الشياطين موجودة لكي نستعين بها عند الضرورة الوطنية.إنه خيار سيتيح لنا التفاهم, سياسيا, مع إيران وروسيا والصين, وهي قوى تستطيع إنقاذ اقتصادنا وتسليح جيشنا, كما يتيح لنا استعادة العلاقات المميزة مع العراق ( هنا, يمكننا أن نلعب دورا خاصا في المصالحة الداخلية).

بالنسبة لواشنطن, فإن التحالف التركي الخليجي الإخواني أهمّ من الأردن, وبصورة خاصة, فإن ضمانة قوى الإسلام السياسي لمصالح إسرائيل أقوى وأدوم من الضمانة الأردنية التي لم يعد لها لزوم.

ليس لواشنطن صديق دائم. وستتركنا نهوي. لكن ما تزال لدينا الفرصة لتكوين شبكة أمان.
العرب اليوم

Posted in Uncategorized.