تسوية ام هدنة, تلك التي حصلت في الملف السوري? قد تكون تسوية اذا سارع السوريون الى برنامج اصلاحات عميق يُحدث الصدمة الايجابية المنتظرة ويؤمّن اعادة تشغيل التحالف التقليدي السابق بين النظام والفلاحين والعشائر, ويردفه بالفئات الشعبية الكادحة والمثقفين التقدميين. يتطلب ذلك الاقدام على تشكيل حكومة انقاذ وطني تضم ممثلين عن القوى الاجتماعية والسياسية, وتفويضها بالصلاحيات, وتوجيه ضربة شاملة لشبكة الفساد والنيوليبرالية وإطلاق الحريات, جنبا الى جنب مع العمل الامني المكثف لتطهير البلاد من العناصر الارهابية.
إذا لم يحدث ذلك سريعا وبصورة متزامنة, فنحن بإزاء هدنة يستفيد منها التحالف الغربي التركي القطري, الذي سوف يوظّف مجموعات المراقبين في منح الصدقية لروايته الزائفة عن الوضع السوري وتحسين ظروف ادواته الداخلية ونشر الفوضى ومساعدة الارهابيين.
التحالف الاسود ذاك يحتاج الى تلك الهدنة, بسبب (1) فشله في دفع اغلبية السوريين نحو الانخراط في اجندته, (2) تصدّع روايته الاعلامية السياسية حول الوضع الداخلي, (3) الموقف الروسي المتوازن المضاد, (4) تنامي القدرة الامنية السورية على ضرب الارهابيين, (5) عجز قوى المعارضة عن تكوين بديل ممكن.
المشهد, اذا, مفتوح على الاحتمالات. وقبل ان تتجه الاحداث صوب اي منها, سيكون على السياسة الاردنية ان تراجع مواقفها وأداءها. ان حجم المصالح الوطنية الاردنية في استقرار سورية ووحدتها وسلامتها لا يسمح بأن تكون عمّان تبعا للدوحة في الملف السوري. بالاساس, آن الاوان لكي تتحرر الدبلوماسية الاردنية من التبعية, وتتبلور حول مبادرة تحفظ مصالح الاردن وكرامته. وهذه المبادرة اصبحت ممكنة اليوم.
يمكننا الاستناد الى مشروع القرار الروسي لدى مجلس الامن, المدعوم من دول كبرى كالهند والصين والبرازيل وجنوب افريقيا. المشروع ذاك متوازن فعلا, ويلمس القضية الرئيسية التي ينبغي ان تشغلنا. فبغض النظر عن مآلات التغيير السياسي في سورية, هنالك ما لا نستطيع التسامح نحوه. وهو استخدام الارهاب في عملية التغيير. انه خطر يتهدد وحدة وسلامة سورية مثلما يتهدد الاردن والاقليم كله. مصالحنا الوطنية تقتضي ابلاغ جميع الاطراف المعنية بأن الارهاب بالنسبة للاردن هو خط احمر, وعلى الحكومة الاردنية التنديد العلني بالمجموعات الارهابية الناشطة في سورية, ومساعدة الجهات الامنية السورية على محاصرة الارهابيين وضربهم واستئصالهم. وعندما يكون موقفنا صحيحا وقويا وواضحا من استخدام الارهاب لاغراض سياسية في سورية, نستطيع ان نرفع الصوت ضد استخدام كل اشكال العنف نحو المدنيين والمعارضة الوطنية. وبذلك, نؤسس لدور مستقل ومتوازن وبالتالي مؤثر في الازمة الطاحنة لدى البلد الجار والتوأم.
داخليا, علينا ان نميّز بدقة ووضوح وجرأة, بين ضمان الحريات وبين المساس بثوابت المصلحة الوطنية العليا لشعبنا ودولتنا في ممارسات قوى محلية مرتبطة بأجندات اقليمية ودولية معادية لسورية. وهو تمييز يستوجب عدم السماح قطعيا بنشاطات التحريض ضد الاشقاء السوريين.
إذا لم ننتبه الى خطورة التبعية للاجندة التركية القطرية, فسنعض, بعد بضعة شهور, اصابع الندم, عندما يتسلل الارهابيون الى بلدنا. ولا مناص من مجيء هؤلاء الينا.
على مستوى مواز, علينا ان نبدأ حوارا مكثفا ومتعدد المستويات مع الاشقاء: الملك مع الرئيس, الجهات الرسمية والامنية مع نظيرتها, العشائر مع العشائر,القوميون مع القوميين, واليسار مع اليسار الخ كل ذلك في اطار تشجيع تسوية وطنية في سورية.
لا اعرف ما هي حصة الاردن من المراقبين العرب في اطار البروتوكول الذي وقعته دمشق مع الجامعة العربية, لكن ينبغي ان نعمل على زيادة عدد المراقبين الاردنيين وانتقائهم بشروط الاستقلالية والنزاهة, وتدريبهم على عدم الانجرار وراء الاجندات, وربطهم سياسيا مع عمّان.
(العرب اليوم)