غرينسبان : أسقطنا صدام من أجل النفط

ليست هذه المعلومة بجديدة. لكن المهم, هنا, هو القائل : رئيس الاحتياطي الفدرالي الامريكي ــ البنك المركزي ــ السابق ,ألن غرينسبان. وهو كان في منصبه عند اتخاذ قرار غزو العراق, العام ,2003 وشريكا في النقاشات التي دارت بين المسؤولين الامريكيين بشأنه. يقول غرينسبان, في كتابه ‘ عصر الاضطراب’, إنه شرح بالتفصيل لمسؤولي إدارة بوش, لماذا يعتبر الإطاحة بصدام حسين ‘ مهمة أساسية لتأمين مصادر النفط للاقتصاد العالمي’. لكن غرينسبان, وهو من منتقدي مسار الحرب الامريكية الفاشلة في العراق, كان يميل إلى تنفيذ المهمة عبر ‘ عملية سرية ‘ كبديل ممكن عن الحرب.
يكشف هذا الاعتراف, الدافع الرئيسي لشن الحرب على العراق, ويفسر, في الوقت نفسه, فشلها. ذلك أن تلك الحرب, سقطت في الفوضى, عندما جرى, بإلحاح من المحافظين الجدد, توسيع نطاق الأهداف من’ تأمين مصادر النفط العراقية’ إلى تفكيك الدولة العراقية وإعادة بنائها كأنموذج امريكي في الشرق الأوسط.

إن الدرس الأول في الاستراتيجية, هو تحديد الهدف النهائي الأساسي بدقة, بحيث تكون جميع التكتيكات الإجرائية, مرتبطة به وحده. وإذا ما كان النفط هو الهدف, فان جميع القرارات التي أصدرها المحتلون كانت خاطئة, ابتداء من حل الجيش العراقي السابق, إلى إطلاق نظام المحاصصة الطائفية. أعني : أن تأمين الهدف النفطي كان يتطلب تأمين الاستقرار وليس الفوضى, إطاحة الرئيس صدام وليس تفكيك الدولة العراقية, بل ربما عقد صفقة معه لا إطاحته.

غير أنني أريد, هنا, أن أثير سؤالا يتعلق بالفكرة القديمة حول العلاقة الضرورية بين المصالح الرأسمالية والحرب أو العمليات السرية. لقد رسخ الإمبرياليون الغربيون هذا الرابط, بحيث أننا ندينه و نفضحه من دون أن نفكر في صحته . ولكن ها نحن نواجه حقيقة تجريبية تنسف هذا المفهوم كليا: لقد تمكنت روسيا والصين, خلال العقد الأخير,من السيطرة على حوالي ثلث السوق النفطية العالمية, من غير أن تطلقا رصاصة واحدة أو تحيكا مؤامرة. والمفارقة الكبرى, أن التوسع الروسي ـ الصيني ذاك, حصل على حساب حصة الولايات المتحدة الامريكية الغارقة, حتى أذنيها, في حروب النفط.

قد يقال هنا إن الحروب الامريكية لا تخدم المصالح النفطية المباشرة, ولكن الاستراتيجية. لكننا إزاء خسارة امريكية استراتيجية في هذا الحقل أيضا. وربما يكون التفسير المادي للحربجية الامريكية, متصلا بمصالح المجمع الصناعي الحربي. ربما, ولكن ها هي روسيا تعود إلى صناعة الحرب من دون حروب.

اذن, قد يكون بإمكاني أن أصوغ الفرضية الآتية: ان النزوع إلى الحرب لدى الغرب الاستعماري الذي تمثله, الآن, امريكا هو, بالأساس, نزوع ثقافي . وهو اتخذ أعلى أشكاله اللاعقلانية التدميرية في الأيديولوجية الامريكية المستندة إلى مزيج متعفن من براجماتية بلا قيم وعبادة إله الحرب, يهوه, وعقيدة قتال’ الأغيار’.

أطروحتي هي -1- ان الحرب لم تعد ضرورية في الرأسمالية الجديدة المعاصرة -2 – ان النزعة الحربية في امريكا وإسرائيل, تعبر عن التخلف الثقافي والتعصب العقائدي والمصالح الفئوية والفردية – 3- وهذا هو الأساس في الفشل الامريكي الحتمي في العراق والمنطقة والعالم, أعني خوض حروب غير ضرورية يمكن تحقيق أهدافها بوسائل دبلوماسيةـ 4ـ الولايات المتحدة وإسرائيل, أصبحتا خطرا يهدد العالم, ونفسيهما, بالدمار – 5- وبما أن إسرائيل كيان هامشي ومتصلب داخليا وتابع, بحيث لا يمكن إصلاحه, فإن الثورة السياسية والثقافية في امريكا أصبحت مهمة كونية. وإذا لم تحدث في الوقت الملائم, فإن موت الولايات المتحدة الحتمي سوف يكلف العالم, ثمنا باهظا.

ومثلما بدأنا بالعراق, نعود إليه, لنكتشف أن مقاومة هذا البلد الشرسة للاستعمار الامريكي, تتم في سياق كوني لا طرفي, وفي باب الحتمية لا المصادفة. وعلى الرغم من كلفتها الباهظة جدا – المقاومة – فلا رادّ لانتصارها الذي سوف يضع العراق في صلب قيادة التغيير العالمي.

Posted in Uncategorized.