سندخل عما قليل في السجال حول قانون الانتخابات النيابية. هناك الكثير من الأفكار والسيناريوهات الطائرة في فضاءات وهمية تتجاهل الواقع الاجتماعي السياسي الصلب, بينما تتفاوض حكومة عون الخصاونة حول ذلك القانون مع فريق سياسي واحد هو ‘الإخوان’ في إطار الخطة الأميركية الهادفة إلى تسليم البلد لحزب أغلبية مصطنعة. فالأغلبيات في بلادنا لا تأتي من إرادة المجتمع, بل تصنعها القوانين الانتخابية والمال والدعم الإقليمي والدولي. ولذلك, فإن أول ما ينبغي تأكيده بالنسبة للقانون الانتخابي الجديد هو الالتزام بمعادلة حساسة بين ضرورات تطوير التمثيل السياسي والحيلولة دون إصطناع أغلبية في ظروف جيوسياسية معقدة للغاية.
غير أنه من الصعب على قوى شعبنا الحية أن تثق بمشروع قانون تعده حكومة لا يخفي رئيسها انحيازه الكامل للإخوان المسلمين. وهي وصفة جاهزة قدم بها من الغرب إلى الدوار الرابع, وما يزال مصرا عليها لأنه ينظر إلى الأردن من منظار دولي وليس العكس.
بالنسبة لي فإنني أرى الأردن من داخله. ومن هذا المنظار الأردني بالذات, أقول حذار للواهمين وللمكولسين معا! لا يمكن العبث بالدوائر الانتخابية الحالية ومقاعدها. فهذه مكتسبات جهوية وعشائرية سوف يؤدي التراجع عنها إلى احتجاجات عنيفة واعتصامات كبرى وقطع الطرق الدولية والفرعية, وربما ما هو أسوأ.
لا يعتقدنّ أحدٌ أن قانون الانتخابات هو مجرد نتيجة لسجال نخبوي أو ضغط حزبي أو حوار بين الحكومة والمعارضة. ستكون هذه سذاجة لا ترى موازين القوى الفعلية في البلاد. وهي لن تسمح بالمساس بالمئة وثمانية مقاعد الموزعة على الدوائر الحالية, أو بنمط توزيعها الجهوي الاجتماعي السياسي. هنالك, بالطبع, مطالبة مشروعة بزيادة مقعد لدائرة الكورة في إربد. طبعا ..ولكن لا غير.
بالمحصلة, نتحدث عن 109 مقاعد موزعة على الدوائر القائمة بالفعل. وتطوير العملية الانتخابية سياسيا ممكن بمنح الناخب الحق في الإقتراع لعدد من المرشحين مساو لعدد مقاعد دائرته. وهو نظام معمول به حول العالم: ينتخب المقترع نواب دائرته سواء كانوا واحدا أم اثنين أم خمسة أم سبعة. فطالما أن الدوائر غير متساوية المقاعد ¯ لضرورات واقعية معقدة ¯ فلا معنى للتساوي في عدد الأصوات للمقترع الواحد. المهم أن كل فرد من أفراد الهيئة الناخبة في كل دائرة يستطيع أن يقترع لكل مقاعدها.
الكوتا النسائية ( 12 مقعدا, بواقع مقعد لكل محافظة) حق مكتسب لا تراجع عنه. فبدونه سوف تتراجع كل الجهود لتحفيز الدور السياسي للمرأة. وهو دور له ضرورات تنموية وثقافية أساسية.
المجموع 121 مقعدا… بالتوزيعة القائمة حاليا .. وحرفيا, وإلا سنواجه انفلاتا أمنيا غير مسبوق ولا نستطيع احتماله. كمثال, أذكّر بأن توحيد دوائر البلقاء في دائرة واحدة, سوف يؤدي بمقاعد السلط. فمَن هو العبقري الذي يستطيع, في اليوم التالي للانتخابات, مواجهة انتفاضة السلطية?
العقل زينة.
أي مساس بالدوائر وتوزيعة المقاعد القائمتين, سيفجّر البلد. وهي كلفة لا تستطيع الدولة احتمالها, بينما تستطيع أن تتدبّر مقاطعة ‘الإخوان’. المصالح الوطنية العليا للأردن فوق الجميع, فوق النظام والمعارضة, وفوق القوى والأحزاب والسيناريوهات والمشاريع الأميركية وطابورها الخامس بين ظهرانينا.
بعد إقرار هذا المبدأ الواقعي العقلاني, يصبح ضروريا الحديث عن تطوير الحياة السياسية الأردنية من خلال اعتماد الدائرة الوطنية والقائمة المغلقة والنسبية. عدد مقاعد الدائرة الوطنية هو موضوع الحوار الرئيسي بين الحكومة والقوى السياسية. لكن التوافق على نسبة 20 بالمئة من إجمالي مقاعد البرلمان يعدّ تطورا ملموسا من دون أن يكون قفزة في المجهول.
تحسين نوعية الانتخابات, تكمن فيما يلي:
اولا, استقلالية وشمولية صلاحيات الهيئة المشرفة على الانتخابات,
ثانيا, ربط الاقتراع بمكان السكن حصريا, ووقف كل أشكال مناقلة الأصوات,
ثالثا, تقديم دعم مالي متساو لكل القوائم وتغطية اعلامية وتسهيلات عملانية لكل المرشحين, وتجريم الإنفاق فوق السقف المحدد في التعليمات,
رابعا, رقابة أمنية جادة وعقوبات رادعة لكل محاولات شراء الذمة الانتخابية بالمال أو بالمساعدات العينية.
(العرب اليوم)