رفع شباب الكرك, أمس, في جمعة ‘ دولة القانون ومحاكمة الفاسدين’, شعار ‘ من أجل نصرة الشعب الأردني’. وذلك كردّ مباشر على شعار ‘ نصرة الشعب السوري’ الذي حاول الإخوان المسلمون تنظيم مسيرة كركية تحت لوائه, وفشلوا فشلا ذريعا, ليس بمقاومة النشطاء الوطنيين والقوميين واليساريين ولكن بفضل مقاومة جماهير الكرك. ‘ الإخوان’ نقلوا نشاطهم ‘ السوري’ إلى ‘ مهرجان خطابي’ في مقرهم,في موعد لاحق, مدركين أن معركة الجمعة فاشلة, وأن حجم قدرتهم على التحشيد في عاصمة الجنوب لا يزيد على 150 من المنتظمين حزبيا, وأغلبهم, ويا للمصادفة, من التجار!
الكرك هي أم الحراك الأردني. وهي تعكس روحه وتحدد سياقه وتشكّل النموذج التأشيري الدالّ على إتجاه الوعي والممارسة السياسية الشعبية الأردنية. ‘الإخوان’, وبكل ما يملكون من دعم مالي وسياسي وإعلامي, وباستخدام عناصر التمويه من الشماغات الحمر إلى التخفي وراء أسماء العشائر, سعوا إلى اختراق الحراك الأردني في الكرك, لكن من دون جدوى. وهنا, تحوّلوا إلى تكتيك آخر هو محاولة شقّ الصفوف عن طريق طرح المسألة السورية على أجندة الحراك, ليثيروا الجدل والانقسام. وهنا فشلوا أيضا. فالوعي الشعبي تحصّن ضد هذه المحاولة, معتصما بأردنيته الواقعية, أي بأولوياته ومصالحه الوطنية. وهي دليل عمل لا يخطىء.
النزعة السياسية الرئيسية عند الكركية هي النزعة القومية. والكركية, كسواهم من الأرادنة, مستعدون, دائما, للتضامن مع الشعوب العربية المظلومة في فلسطين والعراق ولبنان, ولنصرة المقاومة, لكن, فيما يتصل بسورية, يختلف الأمر, فالشأن, هنا, داخلي, والسوريون أنفسهم منقسمون, بوضوح, حول الموقف من الأحداث المؤسفة في بلادهم. ومن العبث, تاليا, نقل هذا الانقسام إلى الحراك الأردني.
التركيز الإخواني على الشأن السوري أمر يخصهم – ويخص واشنطن وأنقرة والدوحة من ورائهم – لكنه لا يخص الحراك الأردني الذي تبلور واستمر وسيستمر من أجل تحقيق مطالب الشعب الأردني في استرداد ثرواته وأراضيه ومؤسساته التي جرى نهبها في فترة النيوليبرالية, وإعادة تفعيل القطاع العام وإرساء الأسس القانونية للعدالة الاجتماعية والتنمية والنهضة والحق في التعليم والعمل والكرامة الشخصية و الوطنية. والحراك الأردني الذي طالما أحرق علم النيتو, يرفض التدخل الأجنبي في سورية كما في الأردن.
التطوّر اللافت في حراك الكرك هو تجذّره, أكثر فأكثر, في التربة الاجتماعية المحلية, بحيث أصبح عنوانا لنصرة الفئات الاجتماعية المظلومة, عمال البلدية وعمال المياومة في وزارة الزراعة والطلاب ومن قبلهم المعلمون والمتقاعدون…الخ وهو إتجاه سوف يستقطب عناصر اجتماعية جديدة إلى العمل السياسي الشعبي, كالمنتجين الريفيين من مزارعين ومربي ماشية وحرفيين وعمال وموظفين وأصحاب مؤسسات صغيرة وتعاونيين وسواهم إلى مجرى الحراك, فيما يُعدّ تجربة شعبية سياسية جديدة في الديموقراطية المباشرة ( أو المضادة كما نسميها). وهي تحتاج إلى دراسة جدية لاكتشاف أصالتها التاريخية.
الإخوان, بالمقابل, يريدون الإبقاء على حركة الشعب تحت وصايتهم السياسية, بحيث يمكن نقلها من الفوران إلى الركود وفقا لما يتفق مع نزاعات الإخوان وتحالفاتهم, أو يمكن نقلها من شعار محلي كالملكية الدستورية إلى الصمت عن هذا الشعار من أجل ‘ نصرة الشعب السوري’ أي, واقعيا, للمشاركة في التحريض الغربي الخليجي التركي من أجل الحرب الأهلية المذهبية في سورية. ولا يختلف الإخوان في هذا عن الأنظمة السياسية التقليدية التي لا تقبل من الجماهير سوى التبعية السياسية. ثم تكتمل لعبة التبعية تلك في صناديق الاقتراع. وباستخدام الوسائل التقليدية نفسها من ممارسة الضغوط والرشا والتخويف واستخدام المؤثرات غير الديموقراطية.
الحراك الأردني يقول كلا . وهو يؤسس ديموقراطيته الخاصة بمعزل عن ديموقراطية النظام والإسلاميين وكل القوى القديمة. فلم يعد الحراك مظاهرات احتجاج, كما لم يعد ممكنا حصره في أجندة حزبية,وإنما هو اجتماع شعبي اسبوعي يمثل برلمانا حرا مفتوحا للتعبير عن الرأي العام وطرح المطالب الوطنية والعامة والتحشيد لحل قضايا معيشية تطرحها الفئات الاجتماعية المختلفة. إنها الديموقراطية المباشرة المضادة حيث تدافع المجتمعات المحلية عن حقوقها في سياق سياسي, وتندمج في حركة وطنية صاعدة تقترح وطنا يصوغه الشعب الكادح الواعي المتحرر.
(العرب اليوم)