السلط .. أسباب الأزمة

أربعة أسباب تقف وراء أزمة العنف المتجددة في السلط بشقيها (من العنف الجهوي العشائري والعنف بين الأهالي وقوات الأمن).
هنالك, اولا, البعد المجتمعي الخاص بالبطالة والتهميش وانغلاق الأمل, وبالتالي تحويل العديد من الشباب إلى قبضايات.

وهنالك, ثانيا, البعد السياسي الخاص بالمساعي الدؤوبة لزعامات محلية لإحياء وتوليف عصبيات تزعمية أو انتخابية أو الخاص بثقل القبضة الأمنية التي تعرقل تطور العمل السياسي الديموقراطي في مدينة السلط.

لكننا, اليوم, لن نتحدث عن هذين البعدين, بل عن بُعدين آخرين يتضافران لتفاقم تلك الأزمة وانفلاتها والعجز عن استيعاب انفجاراتها, وهما:

الحكم المحلي, ذلك أن نصف المشكلة في السلط تكمن في المحافظ الذي نرى – مع احترامنا له – أنه غير مؤهل لممارسة دور الحاكم الإداري الأول في محافظة وعرة وشديدة التعقيد والحساسية مثل محافظة البلقاء ومركزها السلط.

البلقاء تحتاج إلى محافظ مدبّر قادر على التواصل الحي مع كل الفئات والعناصر, وإدارة العلاقة مع المجتمع المحلي بحزم ومرونة ونظرة وفهم عميقين للوحة المجتمع وقدرة لا تكلّ على المتابعة والمبادرة والحس المسؤول.

محافظ البلقاء الحالي شاب طيب لكن قدراته لا تتناسب مع البلقاء والذنب ليس ذنبه, بل ذنب صاحب القرار المعني الذي لا يلتفت إلى الصفات المطلوبة في محافظ كل محافظة, كما لا يلتفت إلى ضرورة تدريب الحكام الإداريين في كل المراتب على فنون التعامل مع المجتمعات المحلية بتعقيداتها.

يوم السبت الماضي, توجهت مجموعة من الشباب السلطية والعبابيد إلى محافظ البلقاء للتباحث معه في كيفية استيعاب شجار طلابي حصل في الجامعة. لكن عطوفته لم يكن عنده الوقت لاستقبالهم! كان أحرى به أن يذهب هو إليهم وإلى غيرهم من الفعاليات السياسية والمجتمعية لتلافي تصعيد محتمل. لكن محافظ البلقاء متحصن في مكتبه, ويقرأ مجتمعه المحلي على شاشة الحاسوب أو على الورق. وجراء عدم اهتمامه الجدي بالشجار الطلابي واحتمالاته, تفاقم الموقف ليشغل مدينة السلط وجوارها, أياما.

الحكم المحلي يحتاج إلى وقفة متأنية من حيث الكوادر والتأهيل والتدريب ومستوى التسيّس و السمات الشخصية والقدرات الخاصة ومنها القدرة على المبادرة والتوقع. حتى أنني أرى ألا يتسلم محافظ موقعه قبل أن ينجز دراسة عن محافظته’ وإقتصادها وتركيبها الاجتماعي والسياسي والطبائع النفسية والثقافية لأهلها.

نصف المشكلة الثاني يكمن في الأسلوب الدركي في المعالجة الأمنية. فبعدما فشل الحكم المحلي في تلافي انفجار المشكلة, توكَل إلى الدرك مهمة استيعابها بالقوة. وما زال الدرك يثبت عجزه عن المعالجة الجراحية للأحداث, بل يوجه عنفه للجميع من دون حساب ولا مراعاة, فتسقط قنابل الغاز على البيوت ويتم التعامل بفظاظة مع مواطنين محترمين ومسالمين وكأنهم من أهل العنف, بينما يتم, أحيانا, تجنّب الاصطدام مع الآخرين! وما هي إلا ساعات حتى يكون المجتمع المحلي قد شعر بالإهانة وبدأ يتعاطف مع المجموعات الشبابية العنفيّة, ثم ينقلب الحدث من المواجهة الجهوية العشائرية إلى مواجهة دامية بين الشباب والدرك. وعندما تحدث مثل هذه المواجهة, أي بمجرد وقوعها, يمكننا القول إن المعالجة الدركية قد فشلت.

حتى عندما يتعلق الأمر بفض نزاع محلي لا عقلاني, فإنه لا شيء يسمح للدرك بممارسة عنفية مفرطة ولا شيء يسمح لها بتوجيه الإهانات لا للأشخاص الذين هم خارج الاشتباك ولا للأشخاص المتورطين. فالدرك مؤسسة أمنية عامة ينبغي أن تتحرك في ضوء استراتيجية اجتماعية سياسية شاملة, وليست شركة أمن وحماية خاصة وبالتالي فممنوع عليها العنف إلا بمقدار مواجهة العنف, وممنوع عليها الإنتقام, وممنوع عليها تحويل المعالجة الأمنية التي تستهدف جماعات العنف إلى مواجهة – بلا طائل – مع مدينة ومجتمع وعشائر.

(العرب اليوم)

Posted in Uncategorized.